أَرْسَلَ اللَّهُ الطَّاعُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلَ يَجُوسُ فِيهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى " فِنْحَاصَ " بن الْعيزَار بن هرون، أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَكَانَتْ مِنْ حَدِيدٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا الْقُبَّةَ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا فِيهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا عَلَى النَّاسِ وَالْحَرْبَةِ فِي يَدِهِ، وَقَدِ اعْتَمَدَ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَأَسْنَدَهَا إِلَى لِحْيَتِهِ، وَرَفْعَهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَكَذَا نَفْعَلُ بِمَنْ يَعْصِيكَ، وَرَفَعَ الطَّاعُونَ.
فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ مَاتَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ يَقُولُ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَكَانَ فِنْحَاصُ بِكْرَ أَبِيهِ الْعَيْزَارِ بن هرون، فَلِهَذَا يَجْعَلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِوَلَدِ فِنْحَاصَ مِنَ الذَّبِيحَة اللبة (?) وَالذِّرَاعَ وَاللَّحْيَ، وَلَهُمُ الْبِكْرُ مِنْ [كُلِّ (?) ] أَمْوَالِهِمْ وأنفسها.
وَهَذَا الَّذِي ذكره ابْن إِسْحَق من قصَّة بلعام صَحِيح، وَقد ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ، لَكِنْ لَعَلَّهُ لَمَّا أَرَادَ مُوسَى دُخُولَ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ ابْن إِسْحَاق، وَلكنه غير مَا فَهِمَهُ بَعْضُ النَّاقِلِينَ عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ نَصِّ التَّوْرَاةِ مَا يَشْهَدُ لِبَعْضِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى كَانَتْ فِي خِلَالِ سَيْرِهِمْ فِي التِّيهِ، فَإِنَّ فِي هَذَا السِّيَاقِ ذِكْرَ " حُسْبَانَ " وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ أَرْضِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ هَذَا الْجَيْش مُوسَى الَّذِينَ عَلَيْهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، حِينَ خَرَجَ بِهِمْ مِنَ التِّيهِ قَاصِدًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّدِّيَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى كل تَقْدِير فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: أَن هرون توفى بالتيه قبل مُوسَى