قصص الانبياء (صفحة 527)

فَذكر تَعَالَى إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ، بِمَا يَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، طَعَامَيْنِ شَهِيَّيْنِ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا سَعْيٍ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ يُنَزِّلُ اللَّهُ الْمَنَّ بَاكِرًا، وَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ طَيْرَ السَّلْوَى عشيا، وأنبع المَاء لَهُم، يضْرب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَجَرًا كَانُوا يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ بِالْعَصَا، فَتَفَجَّرَ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، لِكُلِّ سبط عين مِنْهُ تنبجس، ثمَّ تتفجر مَاء زلالا فيستقون [فيشربون (?) ] وَيَسْقُونَ دَوَابَّهُمْ، وَيَدَّخِرُونَ كِفَايَتَهُمْ، وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ مِنَ الْحَرِّ.

وَهَذِهِ نِعَمٌ مِنَ اللَّهِ عَظِيمَةٌ، وَعَطِيَّاتٌ جَسِيمَةٌ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَلَا قَامُوا بِشُكْرِهَا وَحَقِّ عِبَادَتِهَا.

ثُمَّ ضَجِرَ كَثِيرٌ [مِنْهُم (?) ] مِنْهَا وَتَبَرَّمُوا بِهَا، وَسَأَلُوا أَنْ يَسْتَبْدِلُوا مِنْهَا بِبَدَلِهَا، مِمَّا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا.

فَقَرَّعَهُمُ الْكَلِيمُ وَوَبَّخَهُمْ وَأَنَّبَهُمْ (?) عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَعَنَّفَهُمْ قَائِلًا: " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِن لكم

مَا سَأَلْتُم " أَيْ هَذَا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَتُرِيدُونَهُ بَدَلَ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا حَاصِلٌ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ مَوْجُودٌ بِهَا، وَإِذَا هَبَطْتُمْ إِلَيْهَا، أَيْ وَنَزَلْتُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي لَا تصلحون لمنصبها - تَجِدُونَ بِهَا مَا تَشْتَهُونَ وَمَا تَرُومُونَ مِمَّا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْمَآكِلِ الدَّنِيَّةِ وَالْأَغْذِيَةِ الرَّدِيَّةِ، وَلَكِنِّي لَسْتُ أُجِيبكُم إِلَى سُؤال ذَلِكَ هَاهُنَا، وَلَا أُبَلِّغُكُمْ مَا تَعَنَّتُّمْ بِهِ مِنَ الْمُنَى.

وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهُمُ الصادرة مِنْهُم، تدل على أَنهم لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015