تَحَقَّقُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسحر وَلَا شعوذة (?) ، وَلَا مِحَالٍ وَلَا خَيَالٍ، وَلَا زُورٍ وَلَا بُهْتَانٍ وَلَا ضَلَالٍ، بَلْ حَقٌّ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقُّ، الَّذِي ابْتَعَثَ هَذَا الْمُؤَيَّدَ بِهِ بِالْحَقِّ.
وَكَشَفَ اللَّهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ غِشَاوَةَ الْغَفْلَةِ، وَأَنَارَهَا بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنَ الْهُدَى وأراح عَنْهَا الْقَسْوَةَ، وَأَنَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ
وَخَرُّوا لَهُ سَاجِدِينَ، وَقَالُوا جَهْرَةً لِلْحَاضِرِينَ وَلَمْ يَخْشَوْا عُقُوبَةً وَلَا بلوى: " آمنا بِرَبّ مُوسَى وهرون " كَمَا قَالَ تَعَالَى: " فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمنا بِرَبّ هرون وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ، إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ، فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا، فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ، إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ، وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يحيا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا، وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تزكّى ".
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ أبي بردة (?) وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ: لَمَّا سَجَدَ السَّحَرَةُ رَأَوْا مَنَازِلَهُمْ وَقُصُورَهُمْ فِي الْجَنَّةِ تُهَيَّأُ لَهُمْ، وَتُزَخْرَفُ لِقُدُومِهِمْ وَلِهَذَا لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى تَهْوِيلِ فِرْعَوْنَ وَتَهْدِيدِهِ وَوَعِيدِهِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا رَأَى هَؤُلَاءِ السَّحَرَة قد أَسْلمُوا وأشهروا