يَذْكُرُ تَعَالَى مُلَخَّصَ الْقِصَّةِ، ثُمَّ يَبْسُطُهَا بَعْدَ هَذَا، فَذكر أَنه يَتْلُو عَلَى نَبِيِّهِ خَبَرَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ، أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي كَأَنَّ سَامِعَهُ مُشَاهِدٌ لِلْأَمْرِ مُعَايِنٌ لَهُ.
" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شيعًا "، أَيْ تَجَبَّرَ وَعَتَا وَطَغَى وَبَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَأَعْرَضَ عَنْ طَاعَةِ الرَّبِّ الْأَعْلَى.
وَجَعَلَ أَهلهَا شيعًا، أَيْ قَسَّمَ رَعِيَّتَهُ إِلَى أَقْسَامٍ، وَفِرَقٍ وَأَنْوَاعٍ، يستضعف طَائِفَة مِنْهُم، وَهُمْ شَعْبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ سلالة نَبِي الله يَعْقُوب ابْن إِسْحَق بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ خِيَار أهل الارض.
وَقد سلط عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَلِكَ الظَّالِمَ الْغَاشِمَ الْكَافِرَ الْفَاجِرَ، يستعبدهم ويستخدمهم فِي أخس الصَّنَائِع والحرف وأرداها [وَأَدْنَاهَا (?) ] وَمَعَ هَذَا " يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين ".
وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ الْقَبِيحِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَتَدَارَسُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا يأثرونه عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ.
وَذَلِكَ - وَالله أعلم - حِين كَانَ جَرَى عَلَى سَارَّةَ امْرَأَةِ الْخَلِيلِ مِنْ مَلِكِ مِصْرَ، مِنْ إِرَادَتِهِ إِيَّاهَا عَلَى السُّوءِ وَعِصْمَةِ اللَّهِ لَهَا.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْبِشَارَةُ مَشْهُورَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَحَدَّثَ بِهَا الْقِبْطُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ووصلت إِلَى فِرْعَوْن فَذكرهَا لَهُ بعض أُمَرَائِهِ وَأَسَاوِرَتِهِ وَهُمْ يَسْمُرُونَ عِنْدَهُ، فَأَمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِ أَبْنَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَذَرًا مِنْ وُجُودِ هَذَا الْغُلَامِ، وَلَنْ يُغْنِيَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ! وَذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي مَالك، عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن