وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَبُرَ الْيَسَعُ قَالَ: لَوْ أَنى اسْتخْلف رَجُلًا عَلَى النَّاسِ يَعْمَلُ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِي، حَتَّى أَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ؟ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: من يتَقَبَّل منى (?) بِثَلَاثٍ أَسْتَخْلِفُهُ: يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا يَغْضَبُ.
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ تَزْدَرِيهِ الْعَيْنُ، فَقَالَ أَنَا.
فَقَالَ: أَنْتَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا تغْضب؟ قَالَ نعم.
قَالَ: فَرده ذَلِك الْيَوْم، وَقَالَ
مثلهَا [فِي] (?) الْيَوْمَ الْآخَرَ، فَسَكَتَ النَّاسُ، وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ أَنَا، فَاسْتَخْلَفَهُ.
قَالَ: فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يَقُولُ لِلشَّيَاطِينِ: عَلَيْكُمْ بِفُلَانٍ، فَأَعْيَاهُمْ ذَلِكَ.
فَقَالَ دَعُونِي وَإِيَّاهُ، فَأَتَاهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ فَقِيرٍ، وَأَتَاهُ حِين أَخذ مضجعه للقائلة، وَكَانَ لاينام اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِلَّا تِلْكَ النَّوْمَةَ، فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَظْلُومٌ.
قَالَ: فَقَامَ فَفَتَحَ الْبَابَ فَجَعَلَ يَقُصُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي خُصُومَةً، وَإِنَّهُمْ ظَلَمُونِي وَفَعَلُوا بِي وَفَعَلُوا، وَجَعَلَ يُطَوِّلُ عَلَيْهِ حَتَّى حضر الرواح وَذَهَبت القائلة.
فَقَالَ: إِذا رحت فإننى آخُذْ لَكَ بِحَقِّكَ.
فَانْطَلَقَ وَرَاحَ فَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ هَلْ يَرَى الشَّيْخَ فَلَمْ يَرَهُ، فَقَامَ يَتْبَعُهُ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَعَلَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ وَيَنْتَظِرُهُ فَلَا يَرَاهُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْقَائِلَةِ فَأَخَذَ مَضْجَعَهُ أَتَاهُ فَدَقَّ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْمَظْلُومُ.
فَفَتَحَ لَهُ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِذا قعدت فأتني؟