وَقَالَ تَعَالَى: " فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبهم، وَقَالُوا يَا صَالح اثتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الْمُرْسلين ".
فَجَمَعُوا فِي كَلَامِهِمْ هَذَا بَيْنَ كُفْرٍ بَلِيغٍ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّهُمْ خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي ارْتِكَابِهِمُ النَّهْيَ الْأَكِيدَ فِي عَقْرِ النَّاقَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ آيَةً.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوا وُقُوعَ الْعَذَابِ بِهِمْ فَاسْتَحَقُّوهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الشَّرْطُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا تَمَسُّوهَا بسوه فيأخذكم عَذَاب قريب " وَفِي آيَةٍ " عَظِيمٌ " وَفِي الْأُخْرَى " أَلِيمٌ " وَالْكُلُّ حَقٌّ.
وَالثَّانِي اسْتِعْجَالُهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرَّسُولَ الَّذِي قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ عِلْمًا جَازِمًا، وَلَكِنْ حَمَلَهُمُ الْكُفْرُ وَالضَّلَالُ وَالْعِنَادُ عَلَى اسْتِبْعَادِ الْحَقِّ وَوُقُوعِ الْعَذَابِ بِهِمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّام ذَلِك وعد غير مَكْذُوب ".
وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَطَا عَلَيْهَا قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، لَعَنَهُ الله ; فعرقبها فَسَقَطت إِلَى الارض، ثمَّ ابتدرها بِأَسْيَافِهِمْ [يُقَطِّعُونَهَا (?) ] فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ سَقْبُهَا - وَهُوَ وَلَدُهَا - شَرَدَ عَنْهُمْ فَعَلَا أَعْلَى الْجَبَلِ هُنَاكَ، وَرَغَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (?) .
فَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: " تمَتَّعُوا فِي داركم ثَلَاثَة أَيَّام " أَي غير