(اعلم): أنه يتعلّق بهذه الآثار أنواع من الآداب:

(منها): الإعراض عمن يُحدّث بالأحاديث التي لا أصل لها، وعدم استماعها. (ومنها): ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من تعظيم أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واحترامهم لحاملها. (ومنها): أن من أدب طالب الحديث أن يعطي كلّه للحديث؛ لأنه لا تحصل له الاستفادة التامة إلا بذلك، كما قيل: العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك لم يُعطك شيئًا. (ومنها): أنه لا ينبغي للطالب أن يُبقي حال استماعه ذرّة من ذرّاته تلتفت إلى غيره، بل يُحضر قلبه كلّه كما أحضر جسمه، فإذا سمع المحدّث شرع في التحديث دنا منه، وابتدره في أول مجلسه، وابتداء إلقائه، فيُلقي نظره عليه، ويُصغي بأذنه إليه، فإن وصول العلم إلى القلب إنما يتمّ عن طريقي السمع، والبصر، فإذا نظر إلى الشيخ بعينيه، وأصغى إليه بأذنيه، فقد حصل له التلقّي التامّ، وإن تخلّف أحدهما نقصت الاستفادة بقدر ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:

22 - (حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا، وَيُخْفِي عَنِّي، فَقَالَ: وَلَدٌ نَاصِحٌ، أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الْأُمُورَ اخْتِيَارًا، وَأُخْفِي عَنْهُ، قَالَ: فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ، فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ، وَيَمُرُّ بِهِ الشَّيْءُ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ، إِلَّا أَنْ يَكونَ ضَلَّ).

رجال هذا الإسناد: ثلاثة:

1 - (داود بن عمرو الضبيّ) هو: داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الضبي، أبو سليمان البغدادي، كذا نسبه ابن سعد وغيره، وقال الحاكم أبو أحمد: داود بن عمرو بن المسيب، ويقال: ابن زهير.

رَوَى عن نافع بن عمر الجمحي، وابن أبي الزناد، ومسلم بن خالد الزنجي، وغيرهم. وروى عنه مسلم، وهو من كبار شيوخه، وروى له النسائي بواسطة الفضل بن سهل الأعرج، وأبو يحيى صاعقة، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.

قال موسى بن هارون الحمال: حدثنا أبو الحسن بن العطار شيخ لنا ثقة، أنه رأى أحمد بن حنبل يأخذ لداود بن عمرو بالركاب. قال ابن محرز: سئل عنه ابن معين؟ فلم يعرفه، ثم بلغني أنه قال: لا بأس به، وأنه سأل سعدويه عنه، فحمده. وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن عمرو بن زهير الثقة المأمون. وقال ابن قانع: ثقة ثبت. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال موسى بن هارون وغيره: مات في صفر سنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015