الرزاق، أنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث، منها: وقال رسول -صلى الله عليه وسلم- (?): "إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة ... " الحديث، واطرد لمسلم ذلك، وكذا فعله كثير من المؤلفين، وأما البخاري، فإنه لم يسلك قاعدة مطردة، فتارة يذكر أول حديث في النسخة، ويعطف عليه الحديث الذي يُساق الإسناد لأجله، كقوله في "الطهارة": حدثنا أبو اليمان، أنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "نحن الآخرون السابقون"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ... " الحديث، فأشكل على قوم ذكره: "نحن الآخرون السابقون" في هذا الباب، وليس مراده إلا ما ذكرناه. وتارة يقتصر على الحديث الذي يريده، وكأنه أراد بيان أن كِلا الأمرين جائز.
وأما إعادة بعض المحدثين الإسناد آخر الكتاب، أو الجزء، فلا يرفع هذا الخلاف الذي يمنع إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها؛ لكونه لا يقع متصلا بواحد منها، إلا أنه يفيد احتياطًا، ويتضمن إجازة بالغة، من أعلى أنواعها، ويفيد سماعه لمن لا يسمعه أَوّلًا (?).
وإلى هذه القاعدة أشار السيوطيّ رحمه الله تعالى في "نظم الدُّرَر"، حيث قال:
وَنُسَخٌ إِسْنَادُهَا قَدِ اتَّحَدْ ... نَدْبًا أَعِدْ فِي كُلِّ مَتْنٍ فِي الأَسَدْ
لَا وَاجِبًا وَالْبَدْءُ فِي أَغْلَبِهِ ... بِهِ وَبَاقٍ أَدْرَجُوا معْ "وَبِهِ"
وَجَازَ مَعْ ذَا ذِكْرُ بَعْضٍ بِالسَّنَدْ ... مُنْفَرِدًا عَلَى الأَصَحِّ الْمُعْتَمَدْ
وَالْمَيْزُ أَوْلَى وَالَّذِي يُعِيدُ ... فِي آخِرِ الْكِتَابِ لا يُفِيدُ
قال (?): ومن ذلك تحريه في مثل قوله: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سليمان -يعنى ابن بلال- عن يحيى -وهو ابن سعيد- فلم يستجز رحمه الله تعالى أن يقول: سليمان ابن بلال، عن يحيى بن سعيد؛ لكونه لم يقع في روايته منسوبًا، فلو قاله منسوبًا لكان مخبرا عن شيخه أنه أخبره بنسبه، ولم يخبره.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل هذه المسألة بإيضاح، أنه ليس للراوي أن