الحنابلة أنه وافق الجوينيّ على هذه المقالة. وقال الحافظ الذهبيّ في "كتاب الكبائر" له: ولا ريب أن تعمّد الكذب على الله تعالى، وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تحريم حلال، أو تحليل حرام كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليهما فيما سوى ذلك. والله تعالى أعلم.

وقد جوّزت الكرّاميّة، وبعض المتصوّفة، كما قال الحافظ ابن حجر الكذب، قال الغزاليّ: وهذا من نزغات الشيطان، ففي الصدق مندوحة عن الكذب، وفيما ذكر الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- غُنية عن الاختراع في الوعظ.

وقد أولوا حديث: "من كذب عليّ، متعمدًا الخ" بتأويلات باطلة:

[أحدها]: أن ذلك إنما ورد في رجل معيّن، ذهب إلى قوم، وادّعى أنه رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم، يحكم في دمائهم، وأموالهم، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمر بقتله، وقال: "من كذب عليّ ... " الحديث (?).

[الثاني]: أنه في حقّ من كذب عليه يقصد به عيبه، أو شين الإسلام، وتعلّقوا في ذلك بما روي عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كذب عليّ، متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده بين عيني جهنم"، قال: فشقّ ذلك على أصحابه، حتى عرف في وجوههم، وقالوا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت هذا، ونحن نسمع منك الحديث، فنزيد، وننقص، ونقدّم، ونؤخّر، فقال: "لم أعنِ ذلك، ولكن عنَيتُ من كذب عليّ، يريد عيبي، وشين الإسلام".

[الثالث]: أنه إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب، فإنه كَذِبٌ للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لا عليه.

[الرابع]: أنه ورد في بعض طرق الحديث: "من كذب عليّ متعمّدًا؛ ليضلّ به الناس، فليتبوّأ مقعده من النار"، فتُحمل الروايات المطلقة عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015