القرآن، فقد نص عليه الشافعي، واختاره البلقيني، ومنع تأويل البيهقي له بكفران النعمة بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص الفرد لَمّا أفتى بضرب عنقه، وهذا رادٌّ للتأويل.
ثم إن دعوى الاتفاق في عدم الاحتجاج ممنوعة، فقد قيل: إنه يقبل مطلقا، وقيل: يقبل إن اعتقد حرمة الكذب، وصححه صاحب "المحصول"، وقال الحافظ: التحقيق أنه لا يُرَد كل مُكَفَّر ببدعته؛ لأن كل طائفة تَدَّعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أُخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، والمعتمد أن الذي ترد ببدعته روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه، وأما من لم يكن كذلك، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه، مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا التفصيل حسنٌ جدّا. والله تعالى أعلم.
وأما من لم يُكَفَّر فقيل: لا يحتج به مطلقا، ونسبه الخطيب لمالك؛ لأن في الرواية عنه ترويجا لأمره، وتنويها لذكره، ولأنه فاسق ببدعته، وإن كان متأولا يُردّ كالفاسق بلا تأويل، كما استوى الكافر المتأول وغيره. وقيل: يحتج به إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه، سواء كان داعية أم لا، ولا يُقبل إن استحل ذلك. وحكى هذا القول عن الشافعي، حكاه عنه الخطيب في "الكفاية"؛ لأنه قال أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، قال: وحُكِي هذا أيضا عن ابن أبي ليلى، والثوري، والقاضي أبي يوسف. وقيل: يُحتج به إن لم يكن داعية إلى بدعته، ولا يحتج به إن كان داعيةً إليها؛ لأن تزيين بدعته قد تحمله على تحريف الروايات، وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه، وهذا القول هو الأظهر الأعدل، وقول الكثير، أو الأكثر من العلماء، وضُعِّفَ القول الأول باحتجاج صاحبي "الصحيحين" وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة، كعمران بن حطان (?)، وداود بن الحصين، قال الحاكم: وكتاب مسلم ملآن من الشيعة. وقد ادعى ابن حبان الاتفاق على رد الداعية (?)، وقبول غيره بلا تفصيل.