عن عائشة، غير مقتض كونه مما حَكَم بصحته، وبالنظر إلى أنه احتج به، وأورده إيراد الأصول، لا إيراد الشواهد، يقتضي كونه مما حَكَم بصحته، ومع ذلك قد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه "معرفة علوم الحديث" بصحته، وأخرجه أبو داود في "سننه" بإسناده منفردا به، وذَكَر أن الراوي له عن عائشة، ميمون بن أبي شبيب لم يدركها، وفيما قاله أبو داود توقف ونظر، فإنه كوفي متقدم، قد أدرك المغيرة بن شعبة، ومات المغيرة قبل عائشة -رضي الله عنها-، وعند مسلم التعاصر مع إمكان التلاقي، كاف في ثبوت الإدراك، فلو ورد عن ميمون هذا أنه قال: لم ألق عائشة، أو نحو هذا، لاستقام لأبي داود الجزم بعدم إدراكه، وهيهات ذلك. والله أعلم. انتهى كلام ابن الصلاح (?).

وقال النوويّ بعدما ذكر كلام ابن الصلاح هذا: وحديث عائشة هذا قد رواه البزّار في "مسنده"، وقال: هذا الحديث لا يُعلم عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه، وقد رُوي عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الراجح أن هذا الحديث ضعيف، وسيأتي البحث فيه مستوفىً عند ذكر المصنّف له، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في أن ما حكم الشيخان بصحّته، هل يفيد العلم، أو الظنّ؟

قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله تعالى: جميع ما حكم مسلم بصحته من هذا الكتاب، فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه، وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول، سوى من لا يُعْتَدُّ بخلافه ووفاقه في الإجماع، والذي نختاره أن تلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول، يوجب العلم النظري بصدقه، خلافا لبعض محققي الأصوليين، حيث نفى ذلك، بناء على أنه لا يفيد في حق كل واحد منهم إلا الظن، وإنما قبله لأنه يجب عليه العمل بالظن، والظن قد يخطىء، وهذا مندفع؛ لأن ظن من هو معصوم من الخطإ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطإ، وقد أخبرونا في إذنهم عن الحافظ الفقيه، أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني رحمه الله، قال: سمعت القاضي أبا حكيم الجيلي يقول: سمعت أبا المعالي، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني بنيسابور يقول: لو حلف إنسان بطلاق امرأته، أن ما في كتابي البخاري ومسلم، مما حكما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015