فعلى هذا قول المصنّف رحمه الله تعالى: "أما بعد" يحتمل وجهين: الأوّل: أن تبنى فيه "بعد" على الضمّ، وهو المشهور على الألسنة، لقطعها عن الإضافة لفظًا، ونيّة معناها. الثاني: أن تُنصَب على الظرفيّة بالفتحة الظاهرة على الدال، من غير تنوينٍ، لنيّة المضاف إليه لفظًا، أي أما بعد البسملة، والحمدلة، والصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذُكر معه، فإنك يرحمك الله الخ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
اعلم: أنه ينبغي أن أذكر هنا معنى كلّ من الحديث، والخبر، والأثر؛ لكثرة تدوالها عند أهل الحديث.
فـ"الحديث": لغةً: ما يُتحدّثُ به، ويُنقَل، ومنه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قاله في "المصباح المنير". وفي "القاموس المحيط": والحديث: الجديد، والخبرُ، كالْحِدِّيثَى، جمعه أحاديث، شاذٌّ، وحِدْثَانٌ -بالكسر- ويُضمّ. انتهى.
وقال في "تدريب الراوي": وأما الحديث، فأصله: ضدّ القديم، وقد استُعمل في قليل الخبر، وكثيره؛ لأنه يحدُث شيئًا، فشيئًا. وقال الحافظ في "فتح الباري": المراد بالحديث في عرف الشرع: ما يضاف إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكأنه أريد به مقابلة القرآن؛ لأنه قديم. وقال الطيبيّ: الحديث أعمّ، من أن يكون قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والصحابيّ، والتابعيّ، وفعلهم، وتقريرهم. انتهى (?).
وأما الخبر -بفتحتين- فهو لغةً اسمٌ لما يُنقلُ ويُتحدّث به. قاله في "المصباح". وفي "القاموس": "الخبر" محرّكةً: النّبأُ، جمعه أخبارٌ، وجمع جمعه أَخَابيرُ. انتهى.
وأما اصطلاحًا: فهو عند معظم علماء هذا الفنّ مرادفٌ للحديث، فيطلقان على المرفوع، والموقوف، والمقطوع. وقيل: الحديث ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثَمّ قيل لمن يَشتغل بالتواريخ، وما شاكلها "الأخباريّ" (?)، ولمن يشتغل بالسنّة النبويّة: "المحدّث". وقيل: بينهما عموم، وخصوص مطلقٌ، فكلّ