غير ذلك من الأفعال، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118]، وقال تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أغلِقْ بابك، واذكر اسم الله، وأطفىء مصباحك، واذكر اسم الله، وخمّر إناءك، واذكر اسم الله، وأوكِ سقاءك، واذكر اسم الله". وقال: "لو أنّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهمّ جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقدّر بينهما ولد لم يضرّه شيطانٌ أبدًا". وقال لعمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهم- "يا غلام سمّ اللهَ، وكل بيمينك، وكل مما يليك". وقال: "إن الشيطان ليستحلّ الطعام ألّا يُذكر اسم الله عليه". وقال: "من لم يذبح، فليذبح باسم الله". وشكا إليه عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- وَجَعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ضَعْ يدك على الذي تَألَمُ من جسدك، وقل: باسم ثلاثًا، وقل سبع مرّات: أعوذ بعزّة الله، وقدرته من شرّ ما أجد، وأُحاذر". هذا كلّه ثابتٌ في الصحيح. وروى ابن ماجه، والترمذيّ، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم -، قال: "سِتْرُ ما بين الجنّ، وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول: باسم الله" (?). وروى الدارقطنيّ عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مسّ طهوره يسمّي الله تعالى، ثمّ يُفرغ الماء على يديه" (?). انتهى كلام القرطبيّ (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الخامسة عشرة: قال القرطبيّ رحمه الله تعالى أيضًا: اتفقت الأمّة على جواز كَتْبها في أول كلّ كتاب، من كتب العلم والرسائل؛ فإن كان الكتاب ديوان شعر، فرَوَى مجالد، عن الشعبيّ، قال: أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر "بسم الله الرحمن الرحيم". وقال الزهريّ: مضت السنّة ألا يكتبوا في الشعر "بسم الله الرحمن الرحيم". وذهب إلى رسم التسمية في أوّل كتب الشعر سعيد بن جُبير، وتابعه على ذلك أكثر المتأخّرين. قال أبو بكر الخطيب: وهو الذي نختاره، ونستحبّه انتهى كلام القرطبيّ (?).
وقال الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح": قد استقرّ عمل الأئمّة المصنّفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة، وكذا معظم كتب الرسائل، واختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرًا، فجاء عن الشعبيّ منع ذلك. وعن الزهريّ قال: مضت السنّة أن لا يُكتب في الشعر "بسم الله الرحمن الرحيم". وعن سعيد بن جبير جواز ذلك، وتابعه على ذلك