وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في "تفسيره" عند الكلام على أحاديث البسملة ما حاصله: ومن ههنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلّق للباء في قوله: "بسم الله"، هل هو اسمٌ، أو فعلٌ متقاربان، وكلٌّ قد ورد به القرآن، أما من قدّره اسمًا، تقديره: باسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)} [هود: 41]، ومن قدّره فعلًا، أمرًا، أو خبرًا، نحو ابدأ بسم الله، أو ابتدأتُ بسم الله، فلقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (?)} [العلق: 1]، وكلاهما صحيحٌ، فإن الفعل لا بدّ له من مصدر، فلك أن تقدّر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سَمَّيتَ قبله، إن كان قيامًا، أو قُعودًا، أو أكلًا، أو شربًا، أو قراءةً، أو وضوءًا، أو صلاةً، فالمشروع ذكر الله في الشروع في ذلك كلّه تبرّكًا، وتيمّنًا، واستعانة على الإتمام، والتقبّل. والله أعلم. انتهى كلام ابن كثير (?).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي تقديره فعلًا، كما هو مذهب الكوفيين هنا أرجح؛ لما تقدّم قريبًا. والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: اختلفوا في معنى دخول الباء عليه، هل هي على معنى الأمر، والتقدير: ابْدَأْ بسم الله، أو على معنى الخبر، والتقدير ابتَدَأْتُ بسم الله قولان: الأول للفرّاء، والثاني للزجّاج، فـ"باسم الله" في موضع نصب على التأويلين. وقيل: المعنى ابتدائي بسم الله، فـ"بسم الله" في موضع رفع خبر الابتداء. وقيل: الخبر محذوف، أي ابتدائي مستقرّ، أو ثابت بسم الله، فإذا أظهرته كان "بسم الله" في موضع نصب بثابت، أو مستقرّ، وكان بمنزلة قولك: زيد في الدار، وفي التنزيل: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل: 40] فـ"عند" في موضع نصب. وروي هذا عن نحاة البصرة. وقيل: التقدير: ابتدائي ببسم الله موجود، أو ثابت، فـ"باسم الله" في موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (?).
وقال الإمام أبو جعفر الطبريّ رحمه الله تعالى ما حاصله:
أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: بسم الله على ما بطن من مراده الذي هو محذوف، وذلك أن الباء من "بسم الله" مقتضية فعلًا يكون لها جالبًا، ولا فعلَ معها ظاهرٌ، فأغنت سامع القائل: "بسم الله" معرفته بمراد قائله من إظهار قائل ذلك مراده قولًا، إذ كان كلّ ناطق به عند افتتاحه أمرًا قد أحضر منطقه به، إما معه، وإما قبله بلا فصل ما أغنى سامعه من دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح قِيلَه به، فصار استغناء سامع ذلك منه عن إظهار ما حُذف منه نظير استغنائه إذا سمع قائلًا قيل له: ما أكلت