وكذلك حمّاد بن سلمة إمام كبيرٌ مدحه الأئمة، وأطنبوا لَمّا تكلّم فيه بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يُخرج عنه معتمِدًا عليه، بل استشهد به في مواضع ليُبَيّن أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث غيره من أقرانه، كشعبة، وحمّاد بن زيد، وأبي عوانة، وأبي الأحوص، وغيرهم.

ومسلم اعتمَد عليه؛ لأنه رأى جماعةً من أصحابه القدماء والمتأخّرين رووا عنه حديثًا لم يَختلفوا عليه، وشاهد مسلم منهم جماعة، وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه، وإجماع أئمة النقل على ثقته وإمامته.

فهذا الكلام فيما اختلفا فيه من إخراج أحاديث هؤلاء، وما جرى مجراهم.

وأما أبو داود، فمن بعده، فإن كتبهم تنقسم على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: صحيح، وهو الجنس المخرج في هذين الكتابين للبخاريّ ومسلم، فإن أكثر ما في هذه الكتب مخرج في هذين الكتابين، والكلام عليه كالكلام على "الصحيحين" فيما اتّفقا عليه، واختلفا فيه.

والقسم الثاني: صحيح على شرطهم، حكى أبو عبد الله بن منده أن شرط أبي داود، والنسائيّ إخراج أحاديث أقوام لم يُجمَع على تركهم إذا صحّ الحديث باتّصال الإسناد من غير قطع، ولا إرسال، ويكون هذا القسم من الصحيح، فإن البخاريّ قال: أحفظ مائتي ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، ومسلم قال: أخرجت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.

ثم إنا رأيناهما أخرجا في كتابيهما ما اتّفقا عليه، وما انفردا به قريب عشرة آلاف تزيد أو تنقص، فعلمنا أنه قد بقي من الصحيح الكثير إلا أن طريقه لا يكون كطريق ما أخرجاه في هذين الكتابين، فما أخرجوه مما انفردوا به دونهما، فإنه من جملة ما تركه البخاريّ ومسلم من جملة الصحيح.

والقسم الثالث: أحاديث أخرجوها للضدّيّة في الباب المتقدّم، وأوردوها لا قطعًا منهم بصحّتها، وربّما أبان الْمُخْرِج لها عن علّتها بما يفهمه أهل المعرفة.

[فإن قيل]: لم أودعوها كتبهم، ولم تصبحّ عندهم؟ .

[فالجواب]: من ثلاثة أوجه:

أحدهما: رواية قوم لها، واحتجاجهم بها، فأوردوها، وبيّنوا سقمها؛ لتزول الشبهة.

والثاني: أنهم لم يشترطوا ما ترجمه البخاريُّ ومسلم -رضي الله عنهم- على ظهر كتابيهما من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015