ودخل مصر، فسمع من أحمد بن عبد الرحمن الوهبيّ، وعمرو بن سوّاد، وعيسى ابن حماد زُغْبَة، ومحمد بن رُمح بن المهاجر.
ودخل الشام، على ما قاله ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، قال: وسمع من محمد ابن خالد السكسكيّ، لكن الذهبيّ، ينكر ذلك، ويقول: والظاهر أنه لقيه في الموسم، فلم يكن ليدخل الشام، فلا يسمع إلا من شيخ واحد. وقال أيضًا في ترجمة هشام بن عمار: ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى الشام، ووهمَ من زعم أنه دخل دمشق (?).
والحاصل أن الإمام مسلمًا رحمهُ الله تعالى كثير الرحلة، فقد طوّف كثيرًا من البلدان: مثل الريّ، والعراق، ومصر، والحجاز (مكة، والمدينة)، ودمشق على ما قاله ابن عساكر. والله تعالى أعلم.
وأما عقيدته: فكان رحمهُ الله تعالى على عقيدة أهل الحديث، مثل الأئمة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والبخاريّ، وأبي زرعة، وغيرهم، وقد ذكر أبو عثمان الصابونيّ النيسابوريّ المتوفّى سنة (449) عقيدة السلف أصحاب الحديث، وذكر فيها علامات أهل السنّة، وإحدى علاماتهم حبهم لأئمة السنّة، وعلمائها، وأنصارها، وأوليائها، ونقل عن قتيبة بن سعيد أسماء جماعة من هؤلاء العلماء، وأن حبهم علامة لأهل السنّة، ثم قال: وأنا أُلحق بهؤلاء الذين ذكرهم قتيبة رحمهُ الله تعالى أن من أحبهم، فهو صاحب سنة من أئمة الحديث الذين بهم يقتدون، وبهديهم يهتدون، ومن جملتهم وشيعتهم أنفسَهُم يَعُدُّون، وذكر من بينهم الإمام مسلم بن الحجاج (?). والله تعالى أعلم.
اعلم: أنه قد اضطربت أقوال المتأخّرين في شأن مذهبه، وتناقضوا فيه، فمن قائل: إنه شافعيّ، ومن قائل: إنه حنبليّ، ومن قائل غير ذلك، كما اختلفوا في مذهب البخاريّ، وسائر أصحاب الكتب الستة، وغيرهم.
وهذا بناء منهم على ما تخيّلوه من أن أيّ أحد لا بدّ أن ينتسب إلى مذهب أحد الأئمة الأربعة، وإن كان من أكابر المحدّثين، وهذا مما ابتُلي به المسلمون في الأعصار المتأخّرة من الإعتقادات الفاسدة، والإتجاهات الكاسدة، فلقد عاش الناس في عافية