أَقُول: إِنَّمَا صَحَّ الصُّلْح فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي اسْتندَ إِلَيْهَا صدر الشَّرِيعَة، لَان الدَّعْوَى فِيهَا يُمكن تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول وَقت الصُّلْح.
على أَن دَعْوَى أَن الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى مُطلقًا سَوَاء أمكن تَصْحِيح الدَّعْوَى أم لَا مَمْنُوع لما فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى فَاسِدَةٍ لَا يُمْكِنُ تصحيحها لَا يَصح.
وَالَّذِي يُمكن تصحيحها كَمَا إِذا ترك ذكر الْحَد أَو غلط فِي أحد الْحُدُود يَصح.
وَفِي مجمع الْفَتَاوَى: سُئِلَ شيخ الاسلام أَبُو الْحسن عَن الصُّلْح عَن الانكار بعد دَعْوَى فَاسِدَة هَل هُوَ صَحِيح أم لَا؟ قَالَ لَا، وَلَا بُد أَن تكون صَحِيحَة اهـ.
وَقد ذكر بِمَا ذكرنَا أَن قَوْله فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق من عدم التَّوْفِيق.
ذكره الْحَمَوِيّ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا بُد من التَّوْفِيق، فَليُحرر.
قَوْله: (وحرر فِي الاشباه) هَذَا التَّحْرِيرُ غَيْرُ مُحَرَّرٍ.
وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فَتْوَى أَئِمَّة خوارزم أَن الصُّلْح عَن دَعْوَى الخ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمعول.
قَوْله: (فَلْيحْفَظ) أَقُول: عبارَة الاشباه: الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارٍ بَعْدَ دَعْوَى فَاسِدَةٍ فَاسِدٌ كَمَا فِي الْقنية، وَلَكِن فِي الْهِدَايَة فِي مسَائِل شَتَّى من الْقَضَاء أَن الصُّلْح عَن إِنْكَار جَائِز بعد دَعْوَى مَجْهُول فَلْيحْفَظ، وَيحمل على فَسَادهَا بِسَبَب مناقضة
الْمُدَّعِي لَا لترك شَرط الْمُدَّعِي كَمَا ذكره وَهُوَ توفيق وَاجِب فَيُقَال إِلَّا فِي كَذَا، وَالله تَعَالَى أعلم.
اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ: وَعَلِيهِ لَا يظْهر لهَذَا الْحمل فَائِدَة، لَان صَاحب الْهِدَايَة صرح بِجَوَاز الصُّلْح فِيهَا سَوَاء كَانَ فَسَادهَا بِسَبَب المناقضة أَو لترك شَرط الدَّعْوَى، فَإِذا صَحَّ الصُّلْح مَعَ فَسَادهَا بِأَيّ سَبَب كَأَن خَالف مَا فِي الْقنية، فَتَأمل.
قَالَ الرَّمْلِيّ وَغَيره: مَا حَرَّره فِي الاشباه غير مُحَرر كَمَا عَلمته آنِفا
قَوْله: (وَقيل اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى) تَطْوِيل من غير فَائِدَة، فَلَو قَالَ وَقيل يَصح مُطلقًا لَكَانَ أوضح، وَقد علمت الْمُفْتى.
قَوْله: (كَمَا اعْتَمدهُ صدر الشَّرِيعَة آخر الْبَاب) قد علمت مَا فِيهِ من النّظر وَقد علمت عِبَارَته وَأَن الْمُتَبَادر أَنَّهُ أَرَادَ الْفَاسِدَةَ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تصحيحها بِتَعْيِين الْحق الْمَجْهُول الخ.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْمنح بعد نقل عِبَارَتَهُ أَقُولُ: هَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ كَالْفَاسِدَةِ إذْ لَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهَا، كَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ أَوْ رِبًا حلوان الكاهن وَأُجْرَة النائحة والمغنية، وَدَعوى الضَّمَان على الرَّاعِي الْخَاص أَو الْمُشْتَرك إِذا قَالَ أكلهَا السَّبع أَو سرقت فَصَالحه رب الْغنم على دَرَاهِم مَعْلُومَة لَا يجوز على قَول أبي حنيفَة كَمَا فِي الْخَانِية، فَقَوْل المُصَنّف الْمُتَقَدّم فِي كِتَابه معِين الْمُفْتِي كَمَا قدمْنَاهُ قَرِيبا: الصَّحِيح عدم اشْتِرَاط صِحَة الدَّعْوَى لصِحَّة الصُّلْح فِيهِ نظر، لانه إِن أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّة مَا يَشْمَل الْبَاطِل فَهُوَ بَاطِل، وَإِن أَرَادَ بِهِ الْفَاسِد فقد قدمه، فَتَأمل.
اهـ.
وَكَذَا ذكره فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْفُصُولَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ بعد ذكر عِبَارَةَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ مَا نَصُّهُ: فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْح ضَعِيف اهـ.
قَوْله: (كَمَا مر فَرَاجعه) أَي فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق عِنْد قَوْله وَلَا رُجُوع فِي دَعْوَى حق مَجْهُول مِمَّن دَار صولح على شئ معِين