دَارا أَو عبدا أَو شَيْئا من الاشياء حَادِثا بعد الْبَرَاءَة اهـ.
فَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَبْرَأَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْبَاقِيَ ثُمَّ ادَّعَى التَّرِكَةَ وَأَنْكَرَ وَإِلَّا تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرُّوا بِالتَّرِكَةِ أُمِرُوا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ اهـ.
ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْبَرَاءَةُ عَامَّةٌ لِمَا عَلِمْته، وَلِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَامَّا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهُ بِالْمَالِ الْمُبْرَأِ بِهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ، قَالَ ذُو الْيَد لَيْسَ هَذَا لي أَو لَيْسَ مِلْكِي أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَا مُنَازِعَ لَهُ حِينَئِذٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ أَحَدٌ فَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ لِي فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِمَجْهُولٍ بَاطِلٌ، وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يَمْنَعُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى أحد اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
فَبِهَذَا عَلِمْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَبْرَأْتُك أَوْ لَا حَقَّ لِي قِبَلَك وَبَيْنَ قَبَضْتُ تَرِكَةَ مُوَرِّثِي أَوْ كُلُّ من عَلَيْهِ دين فَهُوَ برِئ وَلَمْ يُخَاطِبْ مُعَيَّنًا، وَعَلِمْتُ بُطْلَانَ فَتْوَى بَعْضِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِأَنَّ إبْرَاءَ الْوَارِثِ وَارِثًا آخَرَ إِبْرَاء عَاما لَا يمْنَع من دَعْوَى شئ مِنْ التَّرِكَةِ.
وَأَمَّا عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَأَصْلُهَا مَعْزُوٌّ إلَى الْمُحِيطِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ الْإِبْرَاءَ بِكَوْنِهِ لِمُعَيِّنٍ أَوْ لَا، وَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعَ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ مَعَ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ لِمُعَيَّنٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ.
كَيفَ وَقد قَالَ قاضيخان: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَهُ إلَّا فِي حَادِثٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ قَبَضْت تَرِكَةَ مُوَرِّثِي وَلَمْ يَبْقَ لِي فِيهَا حَقٌّ إلَّا اسْتَوْفَيْته فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ أَيْضا لما قدمنَا مِنْ النُّصُوصِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ.
وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى ذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ بِأَنْ لَا مِلْكَ لَهُ فِي هَذَا الْعَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ.
وَاَلَّذِي يَتَرَاءَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ الْإِبْرَاءُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مَعَ مَا فِيهِ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُعَيَّنُ وَقَطَعْنَا النَّظَرَ عَنْ اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَهُ فَهُوَ
مُبَايِنٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَشْهُورِ الْفَتَاوَى الْمُعْتَمَدَةِ كَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ فَيُقَدِّمُ مَا فِيهَا وَلَا يعدل عَنْهَا إِلَيْهِ.
وَأما فِي الْأَشْبَاهِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلٌّ صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَلِلزَّوْجِ أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ لَا تَبْرَأُ الْمَرْأَةُ مِنْهَا، وَلَهُ الدَّعْوَى لَان الابراء إِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الدُّيُون لَا الاعيان.
اهـ.
فَمَحْمُولٌ عَلَى حُصُولِهِ بِصِيغَةٍ خَاصَّةٍ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتهَا عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى مِمَّا لِي عَلَيْهَا، فَيَخْتَصُّ بالديون فَقَط لكَونه مُقَيّدا بِمَالي عَلَيْهَا، وَيُؤَيِّدُهُ التَّعْلِيلُ، وَلَوْ بَقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَكَافِي الْحَاكِم الْمُصَرّح بِعُمُوم الْبَرَاءَة لكل من أبراء إِبْرَاء عَاما إِلَى مَا فِي الْقنية.
اهـ.
هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَة، وَمن رام الزِّيَادَة فَليرْجع إِلَيْهَا.
قَالَ الشَّارِح فِي شَرحه على الْمُلْتَقى: وَأما لَو قَالَ أبرأت ك عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ، كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ بَرِئْتُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأتك لَا لانه أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ.
قُلْت: فَفَرَّقُوا بَيْنَ أَبْرَأْتُكَ وَبَرِئْت وَأَنا برِئ لِإِضَافَةِ الْبَرَاءَةِ لِنَفْسِهِ فَتَعُمُّ، بِخِلَافِ أَبْرَأْتُكَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الْوَاحِدِ فَلَهُ مُخَاصَمَةُ غَيْرِهِ كَمَا فِي حاشيتها معزيا للولوالجية.