تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته، فالدعوى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا لمُطلق الْعذر على الرَّاجِح الْمُفْتى بِهِ.
وَمن الْمَشَايِخ من اعْتبر الناقض فِي جَمِيع هَذِه الصُّور فَمنع سَماع الدَّعْوَى إِذا تقدم مَا ينافيها إِلَّا فِي مَسْأَلَة الرَّضَاع وَمَسْأَلَة إكذاب القَاضِي الْمُدَّعِي فِي التَّنَاقُض السَّابِق، وَهِي مَا إِذا أَمر إنْسَانا بِقَضَاء دينه فَزعم الْمَأْمُور أَنه قَضَاء عَن أمره وَصدقه الْآمِر وَكَانَ الاذن بِالْقضَاءِ مَشْرُوطًا بِالرُّجُوعِ فَرجع الْمَأْمُور على الْآمِر بِالْمَالِ الَّذِي صدقه على أَدَائِهِ للدائن فجَاء رب الدّين بعد ذَلِك وَادّعى على الْآمِر الْمَدْيُون بِدِينِهِ وَأَن الْمَأْمُور لم يُعْطه شَيْئا وَحلف على ذَلِك يقْضِي لَهُ القَاضِي على الْآمِر بأَدَاء الدّين، فَإِذا أَدَّاهُ ثمَّ ادّعى الْآمِر على الْمَأْمُور بِمَا كَانَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ بِحكم تَصْدِيقه، فَهَل الدَّعْوَى مسموعة مَعَ التَّنَاقُض لَان القَاضِي أكذب الْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ الْآمِر فِيمَا سبق مِنْهُ من تَصْدِيق الْمَأْمُور حَيْثُ قضى عَلَيْهِ
بِدفع الدّين إِلَى الدَّائِن وَالْحَال مَا ذكر مَانِعا من الرُّجُوع عَلَيْهِ بِالْمَالِ؟ ثمَّ قَالَ: وَهل يشْتَرط فِي صِحَة سَماع الدَّعْوَى إبداء الْمُدَّعِي عذره عِنْد القَاضِي والتوفيق بَين الدَّعْوَى وَبَين مَا سبق، أَو لَا يشْتَرط ذَلِك ويكتفي القَاضِي بِإِمْكَان الْعذر والتوفيق، وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفِي، فَرَاجعه.
وَمِمَّا يتَّصل بِهَذَا الْفَرْع: أَعنِي قَوْله التَّنَاقُض فِي مَوضِع الخفاء عَفْو مَا ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: قدم بَلْدَة واستأجر دَارا فَقيل لَهُ هَذِه دَار أَبِيك مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا فادعاها الْمُسْتَأْجر وَقَالَ مَا كنت أعلم بهَا لَا تسمع للتناقض.
أَقُول: يَنْبَغِي أَن تسمع فِيهِ وَفِي أَمْثَاله، إِذْ التَّنَاقُض إِنَّمَا يمْنَع مَا لم يوفق أَو لم يُمكن توفيقه.
وَأما إِذا وفْق فَيَنْبَغِي أَن تسمع إِذْ لَا تنَاقض حِينَئِذٍ حَقِيقَة، أما لَو أمكن توفيقه وَلَكِن لم يوفق فَفِيهِ اخْتِلَاف، وَنَصّ فِي هَذَا وَغَيره على أَن الامكان يَكْفِي اهـ.
وَقدمنَا أَنه فِي مَحل الخفاء لَا يَكْفِي الامكان، وَإِلَّا فَلَا بُد مِنْهُ.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: وَالظَّاهِر أَن صَاحب الْفُصُولَيْنِ لم يطلع على نَص صَرِيح يُفِيد سماعهَا، وَقد ظَفرت بِهِ فِي الْبَحْر الرَّائِق فِي بَاب الِاسْتِحْقَاق، وَفِي شرح قَوْله لَا الْحُرِّيَّة وَالنّسب وَالطَّلَاق، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْعُيُون: قدم بَلْدَة وَاشْترى أَو اسْتَأْجر دَارا ثمَّ ادَّعَاهَا قَائِلا بِأَنَّهَا دَار أَبِيه مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا وَكَانَ لم يعرفهُ وَقت الاستيام لَا يقبل وَالْقَبُول أصح.
اهـ.
ذكره الْغَزِّي.
أَقُول: قَول أَقُول الخ لَا يدل على عدم اطِّلَاعه، بل هُوَ اخْتِيَار مِنْهُ لما هُوَ الاصح وتعليل لَهُ.
وَأَقُول: قَوْله وَاشْترى يدل على أَنه لَو قَاسم فَهُوَ كَذَلِك، وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى.
قَاسم عَمْرو كرما ثمَّ اطلع على أَن الْجَمِيع لوالده غرسه بِيَدِهِ ثمَّ مَاتَ وَتَركه لَهُ مِيرَاثا وَلم يعلم بذلك وَقت الْقِسْمَة، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ أدل، فَلْيتَأَمَّل.
وَالظَّاهِر أَن قَوْله قدم بَلْدَة لَيْسَ بِقَيْد بل لانه غَالِبا مَحل الخفاء، وَإِذا كَانَ مُقيما لَا يخفى غَالِبا، يُؤَيّدهُ مَا قدمه من قَوْله شراه أبي فِي صغري، فَتَأمل اهـ.
وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي الْفَصْل الثَّامِن وَالْعِشْرين: دفع الْوَصِيّ جَمِيع تَرِكَة الْمَيِّت إِلَى وَارثه وَأشْهد على نَفسه أَنه قبض مِنْهُ جَمِيع تَرِكَة وَالِده وَلَمْ يَبْقَ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ قَلِيلٌ وَلَا كثير إِلَّا اسْتَوْفَاهُ ثمَّ ادّعى دَارا فِي يَد الْوَصِيّ أَنَّهَا من تَرِكَة وَالِدي وَلم أقبضها، قَالَ: أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي بهَا لَهُ، أَرَأَيْت إِن قَالَ
قد استوفيت جَمِيع مَا تَركه وَالِدي من دين على النَّاس وقبضت كُله ثمَّ ادّعى دينا على رجل لابيه أَلا أقبل بِبَيِّنَتِهِ وأقضي لَهُ بِالدّينِ اهـ.