أَقُولُ: لِي شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةً، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ لِلْكُلِّ جُمْلَةً.

وَذَكَرَ فِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَة بِيَدِهِ يُؤمر بإحضارها فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَلَوْ قَالَ إنَّهَا هَالِكَةٌ وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.

فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَى الْأَعْيَانِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ هَالِكَةً، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْضَارِهَا.

وَقَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا بِهَلَاكٍ وَنَحْوِهِ، فَذِكْرُ الْقِيمَةِ مُغْنٍ عَنْ التَّوْصِيفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ هُنَا اشْتَرَطَ بَيَانَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ مُشْكِلٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ بَيَانِ التَّوْصِيفِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الْقِيمَةِ وَدَعْوَى نَفْسِ الْعَيْنِ الْهَالِكَةِ، فَمَا معنى قَوْله تبعا للبحر فِيمَا تقدم، وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لَا الدَّيْنِ، فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُود لم يشْتَرط بَيَان حُدُوده.

اهـ.

قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا ادّعى على آخر ثمن مَبِيع مَقْبُوض وَلم يبين الْمَبِيع أَو مَحْدُود وَلم يحدد يجوز،

وَهُوَ الاصح وَكَذَا فِي دَعْوَى مَال الاجارة المفسوخة لَا يشْتَرط تَحْدِيد الْمُسْتَأْجر اهـ.

قَوْله: (وَاخْتُلِفَ فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ) أَي المستهلكة، أما الْقَائِمَة فَهِيَ حَاضِرَة فِي الْمجْلس مشار إِلَيْهَا، وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الدَّابَّة فَفِي الرَّقِيق أولى.

قَوْله: (فشرطه أَبُو اللَّيْث أَيْضا) أَي كَمَا شَرط بَيَان الْقيمَة.

قَوْله: (وَشرط الشَّهِيد بَيَان السن أَيْضا) أَي كَمَا يشْتَرط بَيَان الْقيمَة والذكورة أَو الانوثة.

قَالَ فِي الْمنح: وَذكر الصَّدْر الشَّهِيد إِذا ادّعى قيمَة دَابَّة مستهلكة لَا بُد من ذكر الذُّكُورَة أَو الانوثة، وَلَا بُد من بَيَان السن، وَهَذَا على أصل أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى مُسْتَقِيم، لَان عِنْده الْقَضَاء بِقِيمَة الْمُسْتَهْلك بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك، لَان حق الْمَالِك عِنْده بَاقٍ فِي الْعين المستهلكة، فَإِنَّهُ قَالَ: يَصح الصُّلْح عَن الْعين الْمَغْصُوب الْمُسْتَهْلك على أَكثر من قِيمَته، فَلَو لم يكن الْعين الْمُسْتَهْلك ملكا لَا يجوز الصُّلْح على أَكثر من قِيمَته، لانه حِينَئِذٍ يكون الْوَاجِب فِي ذمَّة الْمُسْتَهْلك قيمَة الْمَغْصُوب، وَهُوَ دين فِي الذِّمَّة، وَإِن صَالح من الدّين على أَكثر من قِيمَته لَا يجوز، وَإِذا كَانَ الْقَضَاء بِالْقيمَةِ بِنَاء على الْقَضَاء بِملك الْمُسْتَهْلك لَا بُد من بَيَان الْمُسْتَهْلك فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِيَعْلَمَ الْقَاضِي بِمَاذَا يَقْضِي، وَهَذَا الْقَائِل يَقُول: مَعَ ذكر الانوثة والذكورة لَا بُد من ذكر النَّوْع بِأَن يَقُول: فرس أَو حمَار أَو مَا أشبه ذَلِك، وَلَا يَكْتَفِي بِذكر اسْم الدَّابَّة لانها مَجْهُولَة.

اهـ.

قَالَ فِي الْفُصُول الْعمادِيَّة: وَلَا يشْتَرط ذكر اللَّوْن والشية فِي دَعْوَى الدَّابَّة، حَتَّى لَو ادّعى أَنه غصب مِنْهُ حمارا وَذكر شيته، وَأقَام الْبَيِّنَة على وفْق دَعْوَاهُ فأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ حمارا فَقَالَ الْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي ادعيته وَزعم الشُّهُود كَذَلِك أَيْضا فنظروا فَإِذا بعض شياته على خلاف مَا قَالُوا، بِأَن ذكر الشُّهُود بِأَن مشقوق الاذن وَهَذَا الْحمار غير مشقوق الاذن، قَالُوا: لَا يمْنَع هَذَا الْقَضَاء للْمُدَّعِي وَلَا يكون هَذَا خللا فِي شَهَادَتهم.

اهـ.

قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة ادّعى على آخر ألف دِينَار بِسَبَب الِاسْتِهْلَاك أعيانا لَا بُد وَأَن يبين قيمتهَا فِي مَوضِع الِاسْتِهْلَاك، وَكَذَا لَا بُد وَأَن يبين الاعيان فَإِن مِنْهَا مَا يكون مثلِيا وَمِنْهَا مَا يكون من ذَوَات الْقيم.

اهـ.

وفيهَا وَفِي دَعْوَى خرق الثَّوْب وجرح الدَّابَّة لَا يشْتَرط إِحْضَار الثَّوْب وَالدَّابَّة، لَان الْمُدعى بِهِ فِي الْحَقِيقَة الْجُزْء الْفَائِت من الثَّوْب وَالدَّابَّة.

كَذَا فِي الْخُلَاصَة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015