مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى وَقد صَارَت حَادِثَة الْفَتْوَى: مَضَت الْمدَّة وَغَابَ الْمُسْتَأْجر وَترك مَتَاعه فِي الدَّار فأفتيت بِأَن لَهُ أَن يفتح الدَّار ويسكن فِيهَا، وَأما الْمَتَاع فَيَجْعَلهُ فِي نَاحيَة إِلَى حُضُور صَاحبه، وَلَا يتَوَقَّف الْفَتْح على إِذن القَاضِي أخذا مِمَّا فِي الْقنية.

وَفِي غصب منية الْمُفْتِي: أخذت أَغْصَان شَجَرَة إِنْسَان هَوَاء دَار آخر فَقطع رب الدَّار الاغصان: فَإِن كَانَت الاغصان بِحَال يُمكن لصَاحِبهَا أَن يشدها بِحَبل ويفرغ هَوَاء دَاره ضمن الْقَاطِع، وَإِن لم يكن لَا يضمن إِذا قطع من مَوضِع لَو رفع إِلَى الْحَاكِم أَمر بِالْقطعِ من ذَلِك الْموضع.

اهـ.

وَإِن كَانَ دينا، فَفِي مداينات الْقنية رب الدّين إِذا ظفر من جنس حَقه من مَال الْمَدْيُون على صفته فَلهُ أَخذه بِغَيْر رِضَاهُ، وَلَا يَأْخُذ خلاف جنسه كالدراهم وَالدَّنَانِير.

وَعند الشَّافِعِي: لَهُ أَخذه بِقدر قِيمَته.

وَعَن أبي بكر الرَّازِيّ: لَهُ أَخذ الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسا، وَلَو أَخذ من الْغَرِيم جنس الْحق غير رب الدّين وَدفعه

لرب الدّين.

قَالَ ابْن سَلمَة: هُوَ غَاصِب والغريم غَاصِب الْغَاصِب، فَإِن ضمن الْآخِذ لم يصر قصاصا بِدِينِهِ، وَإِن ضمن الْغَرِيم صَار قصاصا.

وَقَالَ نصير بن يحيى: صَار قاصصا بِدِينِهِ والآخذ معِين لَهُ، وَبِه يُفْتى.

وَلَو غصب غير الدَّائِن جنس الدّين من الْمَدْيُون فغصبه مِنْهُ الدَّائِن، فالمختار هُنَا قَول ابْن سَلمَة اهـ.

وَظَاهر قَول أَصْحَابنَا أَن لَهُ الاخذ من جنسه مقرا كَانَ أَو مُنْكرا لَهُ بَيِّنَة أَو لَا، وَلم أر حكم مَا إِذا لم يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِكَسْر الْبَاب ونقب الْجِدَار، وَيَنْبَغِي أَن لَهُ ذَلِك حَيْثُ لَا يُمكنهُ الاخذ بالحاكم وَإِذا أَخذ غير الْجِنْس بِغَيْر إِذْنه فَتلف فِي يَده ضمنه ضَمَان الرَّهْن كَمَا فِي غصب الْبَزَّازِيَّة: رفع عِمَامَة مديونه عَن رَأسه حِين تقضاه الدّين وَقَالَ لَا أردهَا عَلَيْك حَتَّى تقضي الدّين فَتلفت الْعِمَامَة فِي يَده تهْلك هَلَاك الرَّهْن بِالدّينِ.

قَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا أمكنه استردادها فَتَركهَا عِنْده.

أما إِذا عجز فَتَركهَا لعَجزه فَفِيهِ نظر اهـ.

وَأَنت خَبِير بِأَن مَا هُنَا مُشكل، إِذْ يَقْتَضِي أَن الزَّائِد على الدّين أَمَانَة مَعَ كَونه غَاصبا، إِذْ لَيْسَ لَهُ أَخذ غير جنس حَقه، فَتَأمل ذَلِك.

وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الرَّهْن، تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأسه وَأَعْطَاهُ منديلا فلفه عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْده رَضِي بِكَوْنِهَا رهنا، وَسَيَأْتِي فِي الرَّهْن متْنا أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تكن رهنا اهـ.

وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: أَخذ عِمَامَة مديونه لتَكون رهنا لم يجز أَخذه وهلكه كرهن، وَهَذَا ظَاهر لَو رَضِي الْمَدْيُون بِتَرْكِهِ رهنا.

اهـ.

والتوفيق بَين النقول ظَاهر، فَتَأمل، وَالله تَعَالَى أعلم.

قَوْله: (منية) عبارتها إِذا طلب من القَاضِي إِحْضَار الْخصم وَهُوَ خَارج الْمصر، إِن كَانَ الْوَضع قَرِيبا بِحَيْثُ لَو ابتكر من أَهله أمكنه أَن يحضر مجْلِس القَاضِي ويجيب خَصمه ويبيت فِي منزله يحضرهُ بِمُجَرَّد الدَّعْوَى، كَمَا إِذا كَانَ فِي الْمصر، وَإِن كَانَ أبعد قيل يَأْمر بِإِقَامَة الْبَيِّنَة على مُوَافقَة دَعْوَاهُ لاحضار خَصمه.

وَقيل يحلفهُ القَاضِي، فَإِن نكل أَقَامَهُ عَن مَجْلِسه وَإِن حلف يَأْمر بإحضاره.

اهـ.

كَمَا قدمْنَاهُ بأوضح من هَذَا.

قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومِيَّةُ الْمَالِ الْمُدَّعَى) أَيْ بِبَيَانِ جِنْسِهِ وَقدره بالاجماع، لَان الْغَرَض إِلْزَام الْمُدعى عَلَيْهِ عِنْد إِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلَا إِلْزَام فِيمَا لَا يعلم جنسه وَقدره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015