فِي المَال مَا دَامَ بِالْكُوفَةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا مُسَافِرًا فَلَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَصْرَةَ لِأَنَّ خُرُوجُهُ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَا يُنْفِقُ مِنْ الْمَالِ مَا دَامَ بِالْبَصْرَةِ، لِأَنَّ الْبَصْرَة وَطن أُصَلِّي لَهُ فَكَانَ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَجْلِ الْوَطَنِ لَا لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْكُوفَةَ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ الْبَصْرَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ أَيْضًا مَا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْبَصْرَةِ، لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالسَّفَرِ، فَإِذَا عَادَ إلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ بهَا وَطن فَكَأَن إقَامَتُهُ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ.
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنه لَو كَانَ لَهُ وَطن فِي الْكُوفَة أَيْضًا لَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ إلَّا فِي الطَّرِيقِ، وَرَأَيْت التَّصْرِيح بِهِ فِي التاترخانية من الْخَامِس.
وَالْحَاصِل: أَنه إِذا أَخَذَ مَالًا بِالْكُوفَةِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَكَانَ قدم الْكُوفَة مُسَافِرًا قبل ذَلِك فَلَا نَفَقَة لَهُ مَا دَامَ بهَا حَتَّى يرتحل عَنْهَا، وَعَلِيهِ فَلَا يخفى مِمَّا فِي كَلَام الشَّارِح من الايجاز الملحق بالالغاز.
أَقُول: وَحقّ الْعبارَة هَكَذَا: مَا لم يَأْخُذ مَالهَا فِيهِ لانه لم يحبس بِهِ، ويفيد بمفهومه أَنه إِذا احْتبسَ بِأَن سَافر من الْبَلدة الَّتِي أَخذ المَال فِيهَا ثمَّ عَاد بِالْمَالِ إِلَيْهَا كَانَ لَهُ النَّفَقَة لانه احْتبسَ بِهِ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ خَلَطَ إلَخْ) أَوْ بِعُرْفٍ شَائِعٍ كَمَا قدمنَا أَنه لَا يضمن بِهِ.
قَوْله: (بِإِذن) أَي تصير شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَا تُنَافِي الْمُضَارَبَةَ وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا نِصْفُهَا قَرْضٌ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةٌ صَحَّ وَلِكُلِّ نِصْفٍ حُكْمُ نَفْسِهِ اهـ.
مَعَ أَن المَال مشترط شَرِكَةَ مِلْكٍ فَلَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارَبَةَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ نَفَقَةٌ، فَافْهَمْ.
قَوْله: (أَو بمالين لِرجلَيْنِ) هَذَا مَخْصُوص بِأَن لَا يكون المَال الآخر بضَاعَة.
قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني: وَلَو كَانَ أَحدهمَا بضَاعَة فنفقته فِي الْمُضَارَبَةِ، إلَّا أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْعَمَلِ فِي الْبِضَاعَةِ فَفِي مَاله إِلَّا أَن يَأْذَن لَهُ المستبضع بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا لانه مُتَبَرّع.
تاترخانية فِي الْخَامِس عشر فِيهَا من الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ رَجَعَ الْمُضَارِبُ مِنْ سَفَرِهِ بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الرَّقِيقِ، وَكَذَا بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ يَنْهَاهُ وَقَدْ صَارَ الْمَالُ نَقْدًا لَمْ يُنْفِقْ فِي رُجُوعِهِ اهـ.
قَوْله: (رد مَا بَقِي) أَي لَو ميز مَالا للنَّفَقَة فأنفق بعضه وَبَقِي مِنْهُ شئ حِين قدم مصره رد مَا بَقِي إِلَى الْمُضَاربَة لَان الِاسْتِحْقَاق أَمر يَنْتَهِي بانتهاء السّفر.
رَحْمَتي عَن ابْن ملك.
وَالظَّاهِر أَنه يرد مَا زَاد عَنهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ للنَّفَقَة من كسْوَة وَطَعَام عِنْد انْتِهَاء السّفر.
قَوْله: (وَلَو أنْفق من مَاله) أَو اسْتَدَانَ على الْمُضَاربَة للنَّفَقَة.
بَحر.
وَهَذَا يُفِيد أَن قَوْلهم لَا يملك الِاسْتِدَانَة مُقَيّد بِغَيْر النَّفَقَة.
قَوْله: (لَهُ ذَلِك) وَكَذَا لَو اسْتَدَانَ على الْمُضَاربَة للنَّفَقَة، لَان التَّدْبِير فِي الانفاق إِلَيْهِ كالوصي إِذا أنْفق من مَال نَفسه على الصَّغِير اهـ.
قَوْله: (وَلَو هلك) أَي مَال الْمُضَاربَة قبل أَن يرجع.
قَوْله: (لم يرجع على الْمَالِك) لفَوَات مَحل النَّفَقَة.
بَحر.
قَوْله: (وَيَأْخُذ الخ) أَي أَن الْمَالِك يَأْخُذ المَال الَّذِي أنفقهُ الْمضَارب من رَأس المَال من المَال الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمضَارب، فَإِذا استوفى رب المَال رَأس مَاله الَّذِي دَفعه إِلَى الْمضَارب بِمَا اشْترى بِهِ البضاعة وَمَا أنفقهُ وَفضل شئ اقتسماه، وَإِن لم يظْهر ربح فَلَا شئ على الْمضَارب عوضا عَمَّا أنفقهُ على نَفسه.
قَوْله: (من رَأس المَال) مُتَعَلق بأنفق.