وَفِي كِتَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ لِلْغَازِي غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَغْزُ بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَجْلِسْ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يُكَلَّفْ مَا لا يُطِيقُ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا أُعْطِيَ الْغَازِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَفِيهِ اخْتِلافٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَهُمُ الأَكْثَرُ لا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الْغَازِي مَا أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ أَنْفَقَهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَرَّقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لا يَنْبَغِي لِلْغَازِي أَنْ يَقْبَلَ مَا أُعْطِيَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِذَا كَانَ غَنِيًّا عَنْهُ، وَلْيَغْزُ بِمَالِهِ فَهُوَ لِثَوَابِهِ، وَهَذَا أَحْوَطُ الْقَوْلَيْنِ وَأَحَبُّهُ إِلَيَّ.
وَأَمَّا الْفَقِيرُ وَالضَّعِيفُ فَمُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ النَّاسُ أَنَّهُ لا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ مَا أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَلْيَسْتَنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا أُعْطِيهِ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَأَثَّلَهُ مَالا فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ يُنْفِقَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ يَصْرِفَهُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي أُعْطِيهِ لَهُ وَفِيهِ وَهُوَ سَبِيلُ اللَّهِ، إِنْ قَفَلَ مِنْ غَزْوِهِ وَقَدْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةً فَلا بَأْسَ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي قَفْلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ عَمَّا يَكْفِيهِ فِي قَفْلِهِ فَلْيُفَرِّقْ ذَلِكَ الْفَضْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَبْلَ قَفْلِهِ، أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَفْضُلُ مِنْهُ تَافِهًا يَسِيرًا، فَلا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ.