((العالم عند النظام له بداية ونهاية، أي أنه مخلوق بعد العدم المحض، خلافاً لما ذهب إليه جمهور الفلاسفة، اعتقاداً منهم بأنه معلول لعلة قديمة، والعلة والمعلول - في نظرهم - متساوقان في الزمان والوجود، وهم لا يتصورون مدة يكون " الله " فيها معطلاً عن الفعل، من ثم يذهبون إلى " الفاعلية " المستمرة أزلاً وأبداً، وقد وافقهم على هذا الرأي بعض المفكرين الذين ينتسبون إلى المذهب السلفي، وقد طوعوا لمذهبهم هذا، بعض الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: {فعال لما يريد} وفهموا من هذه الآيات دوام الفعل أزلاً وأبداً، ولم يغفلوا عن اللازم الذي يترتب على هذا الفهم، وهو أن يكون مع الله قديم سواه، فقالوا بقدم جنس العالم وحدوث أعيانه.

ولا شك في أن هذه المسألة من أعقد المسائل التي تصادف الباحث في العقائد، وذلك لأن القول بالمقابل، وهو حدوث العالم، يؤدي إلى اشكالات كثيرة، أثارها الفلاسفة في وجه القائلين به، منها: تعطيل القدرة الإلهية في الأزل عن المباشرة في تعلقاتها، ومنها: أن يكون الحق سبحانه وتعالى قد تجددت له إرادة لم تكن موجودة قبل إيجاد العالم، ... الخ.

وبالرغم من أن هذه الإشكالات مردود عليها من قبل القائلين بحدوث العالم إلا أن القضية ليست سهلة بحيث يسلم أحد الفريقين لصاحبه، وتنتهي إلى أحد طرفيها، والقائلون بالقدم لهم في تفسير كلمة " خلق " التي وردت في القرآن الكريم، فهمهم الخاص، فهو عندهم ليس إيجاداً من العدم المحض كما يرى القائلون بالحدوث، وإنما يعني عندهم: صدور العالم - المعلول - عن علته - الله - على سبيل الفيض الأزلي، بل ربما اعتمد بعضهم على ظاهر بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015