فأما كونه محكماً كله فبمعانٍ كثيرة:
منها اطراده في البلاغة، وانتظامه في سلك الفصاحة، واستواء أجزاء كلماته في أداء المعنى، من غير حشو يستغنى عنه، أو نقصان يخل به، واختصار القول الطويل الدال على المعنى الكثير.
قال الأصمعي (?): كنت في بعض أحياء العرب، فإذا بجارية صغيرة السنن وهي تقول:
قبلت محبوباً بغير حلة ... مثل الغزال قائماً في دلة (?)
فقلت لها: ما أبلغ كلامك! وأفصح مقالك!.
قالت: أبلغ من ذلك من جمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين، وبشارتين، وذلك قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى .... -إلى قوله- الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].
فقدله: {وَأَوْحَيْنَا} وقوله {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} خبران.
وقوله: {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} نهيان.
وقوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} بشارتان.
وقد قال أهل الِإشارة: في القرآن ثلاث آيات جمعت بين عذرين