وهذا العالم على علو مرتبته في التأويل غلبت عليه ها هنا دقيقة، وذلك أن الله سبحانه لما قال: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} آمنا به وعرفناه، فتشوقت نفوسنا إلى الموزون، فأخبرنا أنها الأعمال المكتوبة في الصحائف، فقلنا في نظرنا، وكيف توزن الأعمال وهي أعراض؟ فقيل لنا (?): توزن صحفها وعبّر بها عنها لأنها محلّها، على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وذلك في كلام العرب "أكْثَر مِنْ رَمْلِ بِيرِينَ وَمَهَى فلسْطِين" (?).
قيل لنا: وكيف تعرف مقادير الأعمال من الصحف؟.
قلنا: يخلق الله في صحيفة من الثقل بقدر ما علم من العمل، فنكون قد حملنا قوله: "وَالوَزْن" وقوله "ثَقُلَتْ" وقوله "خَفَّتْ" وقوله "مَوَازِينُهُ" وهي أربعة ألفاظ على الحقائق، ويكون المجاز في واحد، ولا يحمل جميعها على المجاز بسبب لفظ واحد، رأيُنا في ذلك أهدى سبيلاً، وأقوم قيلا.
فناشدتكم الله، إلا ما تأملتم هذا الكلام بسياقه، وحكمتم فيه بيني وبين معلمي، فإني استجرأت عليه بما تعلمت منه، و"الحَدِيدُ بِالحَدِيدِ يُفْلَحُ" (?) وقد قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30] فكيف يجد عمله وقد فني عمله قبل أن يفنى، ولكنه مؤول