فارحل من عالم الشهوات إلى عالم القربات، وسافر من المحسوسات إلى المعقولات، وانظر في الزاد فلا بد منه، والدليل وهو العلم، فلا غنى عنه، فمن وجد معلماً فهو النعيم يهدي إلى السبيل، وينظم الدليل، ويحمي عن البدعة والتعطيل، فإن لم تجدوه، فقد أبدينا لكم سبيل السلوك، فتنوروها، ولكنكم آمنون ما كنتم في الظواهر تجولون، حتى إذا سلكتم بحبوحة التوحيد ودلائله ومتعلقاته، فيعرض لكم مهاوي مظلمة، ومغويات ملبسة.
قد قدمنا أن العقول لا تستقل بدرك العلوم حتى يَصْطَفِيَ الله من خلقه من يلقي إليه ما يَقْصُرُ العقل عن دركه، لكنه إذا عرضه عليه كالرجل ينسى الآية أو المسألة أو الشخص فإذا قرئت عليه أو ذكرت له أو رآه عرفه.
ولا يصح أن يأتي في الشرع ما يضاد العقل، فإنه الذي يشهد بصحة الشرع ويزكيه من وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول، فكيف يأتي الشاهد بتكذيب المزكي (?)؟ هذا محال عقلاً، وعلى هذا الأصل انبنت مسائل