الذاكر، لأن أمره لم يكن بأول مرة، ولكنه كان بالانهماك في أسباب المعاصي، والإكباب على الشهوات المباحة أولاً، ثم المشتبهات ثانياً، ثم المحرمات المحضة ثالثاً، ثم تغلبه الشهوة، وتجره العادة، فيقع من غير إرادة، وهذا هو حقيقة الاستدراج الذي قال فيه سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [القلم: 44].
فتذكر ذلك في تفسير الآية، وتركّب عليه استدراج الكفار وتممه واستوفه.
وأما إذا كان ذاكراً، وحضرت المعصية، وحضر ذكر المحرم والتحريم وعقوبته، وصدق المخبر بالعقوبة في خبره، وقدرته على إنفاذ حكمه، فلا بد أن يكف عن الإقدام، أو يدخله الشك في واحد من هذه الوجوه أو ما يرتبط بها، فإن داخله شك فهو كافر.
وإن قال: ليس عندي تكذيب، وإنما عندي تسويف أقضي شهوتي وأنتظر توبتي، أو تسعفني رحمة ربي، فهذا مغرور، وهو أحد أقسام المغرورين، بل ينبغي أن يقوم بحق الطاعة بملازمتها، ويعصي النفس الأمارة بالسوء دائماً، فيرشد الله أقواله ويسدد أعماله، والخير إلى الخير ولاية، والشر إلى الشر غواية، واتباع الشهوات عماية، والعفة هداية، {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (?).
فقد ثبت أن العلوم إنما تحصل بالنظر، وأن القلب الصافي من كدورات المعاصي شرط لبقائها واتصالها، وإن من اتقى الله علمه، أي أبقى له ما علم، أو نفعه به، فإن لم ينتفع بعلمه كمن لم يكن معه، بل هو شر منه، على أن أرباب الظاهر من الفقهاء قالوا: إن معنى قوله: