قانون التاويل (صفحة 536)

الخلق عليه من القصور، فنصب المخلوقات دليلًا عليه، كما وضع الحروف والأصوات دليلاً على كلامه، وكما أن ذاته العلية مخبوءة تحت أستار الدلائل، فكذلك كلامه العظيم مخبوء تحت أستار العبارات، فلا ينال بالعبارات من كلامه إلا ما ينال بالدلائل من ذاته، وهو العلم المطلق الجملي دون التفاصيل المحيطة بالجلي، وهذا معنى قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7]، وقوله: {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ... } [البقرة: 231]، فإنه سبحانه وصفاته في علو التقديس عن الإدراك، فأنزله من علو التقديس ورياضه إلى بقاع العلم -مَنّاً بِه- وحياضه، فمن الناس من يشربه بكأس الصفاء، ومنهم من تكدر عليه وحالت الحجب دونه، وهي كثيرة أمهاتها أربعة:

الأول: عدم الهادي، فلا غنى عن معلم عالم ليكون ما يلقيه ألقن إلى القلب، وأدخل في النفس.

الثاني: الابتداء بمعنى الحروف والأصوات، كالمقرئين في هذا الزمان، فإنهم يقبلون على الحروف ويضيعون العلوم. قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]، يعني "تلاوة" في أحد الأقوال (?)، وَفي الحديث: يأتي على الناس زمان يحفظون فيه حروفه ويضيعون حدوده (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015