ولقد كنت يوماً مع بعض المعلمين، فجلس إلينا أبي -رحمة الله عليه- يطالع ما انتهى إليه علمي في لحظة سرقها من زمانه مع عظيم أشغاله، وجلس بجلوسه من حضر من قاصديه، فدخل إلينا أحد السماسرة وعلى يديه رِزْمَةَ كُتُب، فَحَلَّ شِنَاقَهَا (?) وأرسل وِثَاقَهَا، فَإذَا بها من تأليف السِّمْنَانِيّ (?) شَيْخِ البَاجِيّ (?). فسمعت جميعهم يقولون: هذه كتب عظيمة، وعلوم جليلة، جلبها الباجيّ من المشرق، فصدعت هذه الكلمة كبدي، وقرعت خلدي، وجعلوا يوردون في ذكره ويصدرون، ويَحْكُون أن فقهاء بلادِنا لا يفهمون عنه ولا يعقلون، وناهيك من أمة يجلب إليها هذا القدر الطفيف، فلا يكون منهم أحد يضاف إليه، إلاَّ بصفة العاجز الضعيف، ونذرت في نفسي طية، لئن ملكت أمري لأهاجرن إلى هذه المقامات،