قانون التاويل (صفحة 292)

قلت: القول بأن الروح عرض قول مردود بالعقل والنقل معاً، فلو كانت الروح عبارة عن عرض من أعراض البدن، لكان قول القائل: خرجت وذهبت وقمت وجئت وقعدت وتحركت ودخلت ورجعت ونحو ذلك كله: أقوالًا باطلة، لأن هذه الصفات ممتنعة الثبوت في حق الأعراض وكل عاقل يعلم صدق قوله وقول غيره ذلك، فالقدح في ذلك قدح في أظهر المعلومات وهذا من باب السفسطة (?).

كما أن كل واحد يقطع أن نفسه موصوفة بالعلم والفكر والحب والبغض والرضا والسخط وغيرها من الأحوال النفسانية، ويعلم أن الموصوف ليس بذلك عرضاً من أعراض بدنه ولا جوهراً مجرداً منفصلاً عن بدنه غير مجاور له (?)، ويقطع ضرورة بأن هذه الِإدراكات لأمر داخل في بدنه، كما يقطع بأنه إذا سمع وأبصر وشمّ وذاق ولمس وتحرك وسكن، فتلك أمور قائمة به مضافة إلى نفسه، وأن جوهر النفس هو الذي قام به ذلك كله، ولم يقم بمجرد ولا بعوض بل قام بمتحيز داخل العالم منتقل من مكان إلى مكان، يتحرك ويسكن ويخرج ويدخل، وليس إلاّ هذا البدن والجسم الساري فيه المشابك له الذي لولاه لكان بمنزلة الجماد (?).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، ومَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ" (?) فوصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها جنود مجندة والجنود ذوات قائمة بنفسها، ووصفها بالتعارف والتناكر، ومحال أن تكون هذه الجنود أعراضاً، أو تكون لا داخل العالم ولا خارجه كما هو مذهب الصوفية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015