تعرض ابن العربي رحمه الله في فصل "ذكر معرفة النفس" إلى دلالة الأنفس على وجود الله سبحانه فأجاد وأفاد، ملتزماً في سوقه للأدلة بالطريقة الشرعية (?). وتعتمد هذه الدلالة على ما يعرض للِإنسان من أطوار، كما تعتمد من جهة أخرى على أنه خلق في أحسن تقويم، وذلك كله مشاهد لا يخفى على أحد. فكل عاقل يعرف من أحوال نفسه أنه كان نطفة، فصارت النطفة علقة، ثم مضغة، ثم لحماً وعصباً وعظاماً. وآلات وحواس موافقة لمصالحه، ثم بعد الانفصال من قرار مكين، تعاقبت عليه الأحوال من صغر وكبر، وقوة وضعف، وجهل وعقل، فلا بد لهذه التغيرات من مغيّر قادر عالم، فتبارك الله أحسن الخالقين.
كذلك هذا الِإحكام الدقيق، والعناية والِإبداع العجيب في خلق الإِنسان، وتركيب حواسه، ووضع كل عضو في موضعه المناسب لأداء وظيفته (?)، كل هذا يدل دلالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض على وجود الخالق سبحانه وتعالى (*).
ويذهب ابن العربي -أحياناً- مذهباً آخر، فيثبت صفات الباري تعالى بطريق العقل (?)، معتمداً على ما ذهب إليه شيوخ الأشاعرة، فرؤية العبد لما هو عليه من الخروج من حالة العدم إلى حالة الوجود، والانتقال من صفة إلى صفة، والاختصاص بحالة دون حالة بالمزايا المختلفة من العلم والنطق