"إذا رأى احد ان الحاح القرآن على فعل الخير غير كثير اثبتنا له بالحجة القاطعة خطأه وسقنا اليه ذلك التعريف الشامل للبر في تلك الاية العظيمة "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة/177) فالبر اذن تاج الايمان الحق، حين يدرك المؤمن اخيراً ان الله شاهد ابداً، ويستجيب لشهوده في كل افكاره واعماله" (?)
"هذه، إذن، هي الرسالة التي بلغها القرآن إلى الجيل الاول من المسلمين وظل يبلغها إلى جميع الاجيال منذ عهدئذ. فالقرآن سجل لتجربة حية مباشرة في ميدان الالوهية، تجربة ذات طرفين: واحد مطلق وآخر متصل بشؤون الحياة العامة، ودعوة للمخلوق كي ينظم حياته ليتمكن من الاخذ بنصيب في تلك التجربة. وحين يتبع المسلم اوامر القرآن ويسعى ليستكنه روح تعاليمه، لا بفكره فحسب بل بقلبه وروحه ايضاً، فانه يحاول ان يستملك شيئاً من الرؤى الحدسية ومن التجربة التي كانت للرسول الحبيب. ويعظم في عينيه مغزى كل آية فيه، لإيمانه بانه كلام الله. ولو لم يكن هذا الايمان شعبة من عقيدته لما تناقصت قيمته لديه من حيث هو منبع حي للالهام والاستبصار الديني" (?)
"مهما يكن امر استمداد الاسلام من الاديان التي سبقته فذلك لا يغير هذه الحقيقة ايضاً وهي: ان المواقف الدينية التي عبر عنها القرآن ونقلها إلى الناس تشمل بناء دينياً جديداً متميزاً" (?)
".. على الرغم مما قام به العلماء المتأخرون من تطوير لعلم كلام اسلامي منهجي، يبقى صحيحاً ما ذكرناه سابقاً وهو: ان جمهور الجماعة الاسلامية كان يتألف من شعوب احدثت لديها ممارسة حقائق الدين ممارسة حدسية اثراً اقوى واسرع من كل اثر خلفه اي قدر من الجدل العقلي او من حذاقته وبراعته" (?)
" إننا نخطئ خطأً فاحشاً إذا اقتصرنا على النظر إلى هذه العقيدة نظرتنا لمذهب لاهوتي اتقن بشكل وراثى من جيل إلى جيل منذ الف وثلاثمائة سنة. انها على العكس من ذلك يقين وايمان حي يتجدد ويتأكد باستمرار في قلوب المسلمين وارواحهم وافكارهم، ولدى العربي بشكل خاص، حين يدرس النصّ المقدس. لقد عارض المذهب السني المتمسك بشكل عام ترجمة القرآن إلى اللغات الاسلامية الاخرى على الرغم من ان النص العربي يظهر في بعض الاحيان مقترنا بترجمة تركية او فارسية او اوردية وغيرها من اللغات. ان هذا الموقف يستند على محاكمة شرعية متماسكة تصوغ حججها إلى حد ما بشكل عقلاني مستندة في ذلك على اعتبارات بعيدة عن هذا الشكل العقلاني. والواقع ان القرآن لا يمكن ترجمته بشكل اساسي كما هي الحال بالنسبة للشعر الرفيع، اذ ليس بالامكان التعبير عن مكنون القرآن باللغة العادية، ولا يمكن ان يعبر عن صوره وامثاله لان كل عطف او مجاز او براعة لغوية يجب ان تدرس طويلاً قبل ان ينبثق المعنى للقارئ. والقرآن كذلك له حلاوة وطلاوة ونظم بديع مرتب لا يمكن تحديده لانها تعد بسحرها افكار الشخص الذي يصغي إلى القرآن لتلقي تعاليمه. ولا شك ان تأويل كلمات القرآن إلى لغة اخرى لا يمكن الاّ ان يشوهها ويحول الذهب النقيّ إلى فخار.." (?)