وإما أن يرجح جانب المعصية تارة أو تارات أو غالبا ثم إن أحسن أحواله مع ذلك أن ينوي التوبة قبيل موته

ولا ريب إن كان ما قاله هؤلاء حقا فصاحب هذه الحال أكيس وأعقل ممن محض طاعة الله طول عمره إذ أن هذا سلم من عذاب ذلك المطيع في الدنيا ثم إنه بالتوبة أحبط عنه العقاب وأبدل الله سيئاته بالحسنات فصارت جميع سيئاته حسنات فصار ثوابه في الآخرة قد يكون أعظم وأعظم من ثواب ذلك المطيع الذي محض الطاعة ولو كان ثوابه دون ثواب ذلك لم يكن التفاضل بينهم إلا كتفاضل أهل الدرجات في الجنة وهذا مما يختاره أكثر الناس على مكابدة العذاب والشقاء والبلاء بطول العمر إذ هو أمر لا يصبر عليه أحد فإن مصابرة العذاب ستين أو سبعين سنة بلا مصلحة ولا منفعة ولا لذة ليس هو من جبلة الأحياء إذا جوزوا أن لا يكون في شيء من طاعة الله مصلحة ولا منفعة طول عمره

وهؤلاء يجعلون العباد مع الله بمنزلة الأجراء مع المستأجرين كأن الله أستأجرهم طول مقامهم في الدنيا ليعملوا ما لا ينتفعون به ولا فيه لربهم منفعة ليعوضهم مع ذلك بعد الموت بأجرتهم وفي هذا من تشبيه الله بالعاجز الجاهل السفيه ما يجب تنزيه الله عنه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015