والإرهاق متعلِّقة بتراثها الروحي القديم. بالرغم مما فرض على الموريسكيين من نبذ دينهم ولغتهم، فقد لبث الكثير منهم مسلمين في سرائرهم، يزاولون شعائرهم القديمة خفية، ويكتبون أحكام الإسلام والأدعية والمدائح النبوية بالقشتالية الأصلية، أو بالقشتالية المكتوبة بحروف عربية، وهي التي تعرف بالألخميادو ( صلى الله عليه وسلمljamiado) أي (الأعجمية). وقد وصلت إلينا كثير من الكتب الدينية والأدعية والمدائح الإسلامية الموريسكية مكتوبة بالألخميادو، وكثير منها يدور حول سيرة النبي العربي عليه الصلاة والسلام، وشرح تعاليم القرآن والسنة، يتخللّها كثير من الخرافات والأساطير المقدسة (1)، بيد أنها تدلي بما كانت تجيش به هذه النفوس المعذّبة من إخلاص راسخ لدينها القديم وإن التبست عليهم أصوله وشعائره بمضي الزمن.
وقد لبث ديوان التحقيق على نشاطه ضد الموريسكيين طوال القرن السادس عشر، ولم يفتر هذا النشاط حتى أواخر هذا القرن، مما يدل على أن آثار الإسلام بقيت بالرغم من كرّ الأعوام وتوالي المحن، دفينة في قلب الشعب المضطهد، تنضح آثارها من آن لآخر، يدل على ذلك ما تسجله محفوظات الديوان، من أن قضايا الموريسكيين أمام محاكم التحقيق، بلغت في سنة (1591 م)، (291) قضية، وبلغت في العام التالي (117) قضية، وظهر في حفلة: (الأوتو دا في صلى الله عليه وسلمuto-da-Fe) التي أقيمت في (5 أيلول - سبتمبر سنة 1604 م) ثمانية وستون موريسكياً، نفذت فيهم الأحكام. وظهر في حفلة (7 كانون الثاني - يناير 1607 م) ثلاثة وثلاثون موريسكياً، واستعمل التعذيب في محاكمتهم خمس عشرة مرة، وكان الاتهام يوجه أحياناً إلى الموريسكيين جملة، على أثر بعض الحملات الفجائية على المحلات الموريسكية؛ فقد حدث مثلاً في سنتي (1589 و 1590 م) أن سجلت في قرية
_______
(1) وضع القس الإسباني Pedro Loges عن حياة الموريسكيين الدينية كتابه Vida Religiose de Los Moriscos (Madrid 1915) وفيه يورد كثيراً من رسومهم وعوائدهم الدينية، وكثيراً من الآيات والمدائح النبوية بالقشتالية.