رضي الله عنه إلى سجودِهِ في جُمْعةٍ دون أخرى، فإنَّه اتَّبع فيه ما كان عنده من أُسْوَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقد ثبت عندنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان التزمَ السجودَ فيها بعده، وكان يسجدُها. وإذن لم يَبْقَ قلقٌ فيما فَعَلَه عمرُ رضي الله عنه، فإنه حكايةٌ لِفِعْله حين كان لا يرى السجودَ فيها عزيمةً، كما أخرج أحمدُ رحمه الله تعالى في «مسنده»، والحاكم في «مُسْتدركِه»، والمُنْذرِي في «الترغيب» وقَوَّاه عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه فهذا أنه قال: «رأيتُ رؤيا: إنِّي أَكْتُبُ سورةَ «ص»، فلما بَلَغْتُ السجدةَ رأيتُ الدَّوَاةَ والقلمَ وكُلَّ شيءٍ يَحْضُرُني انقلبَ ساجِدًا. قال: فَقَصَصْتُهَا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم فلم يَزَل يَسْجُدُ بِهَا» اهـ. ونحوه عند ابنِ كثير في «تفسيره».

وعند البيهقي «فَغَدَوْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَمَر بالسجودِ فيها». اهـ. ففيه دليلٌ على أنه كان في أوَّل أَمْرِه يرى فيها رُخْصَة، لما رأى أبو سعيد رضي الله عنه رؤياه أَمَر بالسجودِ فيها.

والحاصل: أنه قد تبين عندنا عُمر رضي الله عنه، وانكشفَ وَجْهُه، وهو أنه كان فيما كان السجودُ رخصةَ، فإِذَا عَزَمَ الأَمْر تَحتمَّ بالسجود (?). ويمكنُ أن يقال: إن النفي راجِعٌ إلى القيد، والمعنى أَنَّ السجدةَ ليست واجبةً بِعَيْنهَا، فمن لم يسجد فلا أثم عليه، لأن الرُّكوعَ أيضًا ينوب عنها، وهو روايةٌ عندنا في خارج الصلاة أيضًا، كما في «الفتاوى الظهيرية».

وذكر الإمام الرازي في تفسيره: أنَّ أبا حنيفة رحمه الله تعالى استدل عليه من قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]. وفي «فتح الباري»: أنَّ بعضَ السَّلَف أنكروا سجدة «ص»، لعدم كونِ لَفْظِ السجود في آيتها.

قلتُ: وإذن ذَهَب بعضُ السَّلف إلى نَفْي السجود رأسًا نظرًا إلى لَفظ الركوع، فإثبات السجودِ فيها مع التزامِ أدائها بالركوع أَهْوَنُ. وحينئذٍ معنى مارواه ابن عمر رضي الله عنه: أنَّ اللَّهَ لم يَفْرِض السجودَ إلا أنْ نشاءَ، أي لم يَفْرِض علينا السجودَ بِخُصُوصه، بل كفى عنه الرُّكوعُ أيضًا، إلا أن نشاءَ السجدةَ فنأتي بها.

11 - باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِى الصَّلاَةِ فَسَجَدَ بِهَا

1078 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى قَالَ حَدَّثَنِى بَكْرٌ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015