بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

16 - كتاب الكُسُوف

1 - باب الصَّلاَةِ فِى كُسُوفِ الشَّمْسِ

واعلم أنه لم تنكسفِ الشَّمْس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا مرةً، كما حققه المحمود شاه الفرنساوي في كتابه «إفادة الإفهام في تقويم الزمان». والروايات في تَعَدُّدِ الرَّكعاتِ بلغت إلى سِتة ركوعاتِ في ركعتين، كما في «تهذيب الآثار» للطبري.

والأرجح عندي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ركع ركوعين في بكعةٍ، والباقي أَوهام. كانت فتاوى الصحابة فاختلطت بالمرفوع، وإذن لا أتمسك من رواياتٍ وَرَد فيها ركوعٌ واحِدٌ بل أحمِلُهَا على الاختصار، نعم ثَبَت عن الحصابة رضي الله تعالى عنهم أَزْيَدُ من الركوعين أيضًا، لأنهم حملوا الزيادةَ على ركوعٍ على التخيير، فجوَّزُوها إلى ثلاثةٍ وأربعةٍ حتى تنجلي الشمس.

ولنا حديث قولي عند أبي داود وقد مَرَّ تقريرُهُ ولنا أيضًا ما أخرجه الطحاوي عن المغيرةَ ابن شُعْبة: أن الشمسَ انكَسَفَت في عهده، فلم يُصَلِّ لها إلا برُكُوْعٍ واحدٍ. مع أنه قد أَدْرَكَ صلاتَه صلى الله عليه وسلّم في الكسوف وراواها. والذي يظهَرُ أن تلك الصلاةَ من جزئياتِ ما عند الحاكم: «إذا حَزَبه أمرٌ بادر إلى الصلاة». والكسوف أيضًا أمرٌ عظيم، فينبغي فيه أيضًا المبادرة إليها، فتكون السُّنة فيها على الشاكلة المعهودة.

أما النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فإنه وإنْ ركع ركوعين لكنَّه لم يعلمنا إلا أن نأتي بها كأَحْدَثِ صلاةٍ صلاها، وفيها ركوعٌ واحد، فتعَدُّدُ الرُّكوعِ مخصوصٌ به صلى الله عليه وسلّم.

بقي نُكْتةُ تعدُّد ركوعهِ صلى الله عليه وسلّم فنقول أولا: إنه ليس بلازمٍ علينا وإن كان لا بدَّ منها، فقد ذكر مولانا شيخُ الهند رحمه الله تعالى أن تعدُّدَه كتعدُّدِ السجود في الصلاة عند تلاوة آيةِ سجدة، فكما تعدَّدت السجدةُ لداعية كذلك يجوزُ أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ركع رُكوعين، لأنه شاهَد فيها ما لم يكن يشاهدُ في عامَّة الصلوات، والسجودُ عند ظهور آيةٍ معروفٌ عند الشَّرْع، ثُمَّ رَأَيْتُ مِثْله عن عبد الله البَلْخي في «البدائع» (?). وذكرته لشيخي فَسُرَّ به جدًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015