التبعيضية، لتكون له دليلًا على تركب الإيمان. ونقول من جانب الحنفية: إنها ابتدائية كما مر تقريره. «والفتنة» شيءٌ يقع به التمييز بين الحق والباطل وبحث في «الإحياء» أن العُزْلة أفضل أو الخُلْطة؟ قلت: بل هو مختلِفٌ باختلاف الأحيان والأزمان ويُستفاد من الحديث أن العُزْلَة تكون أفضلَ في زمان مخافة أن تجرحَ الفتن دينه. والفتنة هي التي لا يُعلم سوء عاقِبَتِها في أول أمرها، ثم ينكشِفُ بعد حين وغرض البخاريُّ أن صيانتَه دينه من الفتن، وإن كان بعد حصولِ الدِّين، لكن ليس ذلك من الدِّين وأجزائه.
وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].
العلمُ، والمعرفةُ، واليقينُ قد يطلق على الأحوال أيضًا، والعلوم لا تكون أحوالًا إلا بعد استيلائها، وحينئذٍ تكون عينَ الإيمان، وهو المراد في قوله صلى الله عليه وسلّم «من ماتَ وهو يعلمُ أن لا إله إلا اللَّهُ» ... إلخ، فالعلم ههنا بمعنى الإيمان، أي يؤمنُ بتلك الكلمة وكذا في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28] وهم المؤمنون الذين رَسَخَ العلم في بواطنهم، وأُشْرِبَ به قلوبهم، وخالطت بها بشاشته، فأوجد فيهم نورًا، وحلاوة، وانبساطًا، فإن أريدَ به هذا النحوُ من العلم الذي هو من الأحوال، وهو الذي يستوجبُ العملَ، فهو عينُ الإيمان، وزيادتُهُ يكون دليلًا على زيادة الإيمان، ونقصانُهَ على نقصانه، وإلا فالاستدلال منه على طريق إلحاق النظير بالنظير، يعني كما أن في العلم مراتب، كذلك في الإيمان أيضًا، فإن العلمَ سببُ الإيمان، فإذا ثبت التشكيك في السببِ، ينبغي أن يثبتَ في مسببِهِ، أي الإيمان أيضًا.
(وأن المعرفة فعل القلب (?)) إن كان المرادُ من المعرفة هي الاضطرارية، كما في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءهُمْ} فهي ليست بفعلٍ بالمعنى اللغوي، لأن أهلَ اللغةِ لا يسمون فعلًا إلا الاختياري، وإن كان المرادُ منها ما تتقررُ بعد التكرر، وتغلبُ على الجوارح، وتكونُ