الشديدة كالرجم والقطع، فينبغي أن تكون مكفراتٌ أيضًا، ذهب يدّعي أنهامكفرات. وكبيرُ نزاعِهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إلخ، وفيه تصريحٌ بعد ذكر حدِّهم: أن لهم في الآخرة عذاب عظيم، فكأنهم لم يرتفع عنهم العذابُ بعد إقامة الحد أيضًا، وهذا يُشعر بعدم كونها مكفرات. ولهذا جَزَمَ البغوي بعدم كون الحدود مكفرات (?).
قلت: ولي فيه تردد (?)، لأنهم اختلفوا في شأن نزولها ففي الصحيحين: أنها نزلت في العُرَنيين، ومعلوم أنهم كانوا ارتدُّوا بعد إسلامهم، وحينئذٍ فالآية خارجةٌ عن موضع النزاع، لأن المسألةَ إنما كانت في المسلمين. أما التكفيرُ في حق الكفار، فلم يقل به أحد. وقيل: الآية في قُطَّاع الطريق، وإليه ذهب الجمهور، وهو المنقولُ عن مالك رحمه الله تعالى. وحينئذٍ يتمُ الاستدلال، لأن قطعَ الطريق يمكن من المسلمين أيضًا.
قلت: والآية عندي في حق العُرنيين، إلا أن الآية لم تأخذ ارتِدَادهم، وكفرهم في العنوان، بل أدارت الحكم على وصفِ قطعِ الطريق، فيدور الحكمُ أيضًا على قطع الطريق. ولا يقتصرُ على المرتدين والكفار فقط. ومع ذلك أقول: إن استدلال البغوي ضعيفٌ، لأني أجدُ المعصية الواحدة تختلف شدَّةً وخفة، باعتبارٍ حال الفاعلين. وهذا معقول، فقد تكونُ المعصيةُ من المؤمن، ويخف العقاب عليها رعايةً لإيمانه، وتكون تلك المعصيةُ بعينها من الكفار، ويُزاد في عقوبته لحال كفره. وعليه جرى العرفُ فيما بيننا أيضًا، فلا نؤاخذُ حبيبنَا على أمرٍ ارتكبه، كما نؤاخذُ به عدونَا على ذلك الأمر بعينِهِ. وحينئذٍ يمكن أن يكونَ ذكرُ العذاب في الآخر جرى لحالِ كفرهم، فإن المعصيةَ تزدادُ شَنَاعَةً بحسَبَ الفاعلين، فقطعُ الطريقِ من المسلمين شنيعٌ، وهو من المرتدينَ أشنع. فيمكن أن يكون جَرَى ذكرُ العذاب لحالِ الفاعلين، لا لحال الفعل.