والصِّحَاحُ من الجانبين، فالخلاف فيها لا يكون إلا في الاختيار لا سِيَّما إذا كانت كثيرةَ الوقوع، وعدَّ منها: الترجيعَ في الأذان، وإفرادَ الإِقامة، والجَهْرَ بالتسمية، ورَفْعَ اليدين، وحينئذٍ فاسْتَرَحْتُ حيث تخلَّصت رقبتي من الأحاديث الثابتة في الرفع. والجَصَّاص من القرن الرابع، حتى إن الكَرْخِي الذي هو من مُعَاصِري الطَّحَاوي من تلامذته، فرُتْبَتُهُ أعلى من الكبيري و «البدائع»، وصاحب «البدائع» أرفع رُتْبَةً من الكبيري.

وقد اشتهر في مُتَأَخِّري الحنفية القول بالنسخ، وإنما تعلَّمُوه من الشيخ ابن الهُمَام، والشيخ اختاره تَبَعًا للطَّحَاوِيِّ. وقد عَلِمْتَ أن نسخَ الطَّحَاوِيِّ أعمُّ ممَّا في الكُتُب، فإِن المفضولَ بالنسبة إلى الفاضل، والأضعفَ دليلا بالنسبة إلى أقواه، كلُّه منسوخٌ عنده، كما يتضح ذلك لمن يُطَالِعُ كتابَه، كيفما كان إذا ثَبَتَ عندي القول بالجواز ممَّن هو أقدم في الحنفية، وسَاعَدَتْهُ الأحاديث أيضًا، فلا محيد إلا بالقول به، وخلافه لا يُسْمَع، فمن شاء فلْيَسْمَعْ.

736 - قوله: (إذا رَفَع رأسه من الركوع)، وفي «الفتح»: «أنه حين الرفع»، وقد مرَّ مني أنه في الانتصاب دون الانتقال، وهو الصواب، وخلافُه خلاف الحديث وخلاف إمامهم، وعليه فرَّع الشافعيُّ رحمه الله تعالى مذهبه، فاختاره في الموضعين وتَرَكَهُ بين السجدتين، وإن اختار محدِّثوهم بعد القعدة الأولى أيضًا.

قوله: (ويقول: سَمِعَ اللَّهُ لمن حَمِدَه) وقد مرَّ أنه يَرْفَعُ بعد التحميد، ولا يَرْفَعُ مع التحميد.

واعلم أنه تكلَّم السلفُ في معنى رفع اليدين وما قُصِدَ به. ففي «المجموع» شرح «المهذب»: أن الشافعيَّ صلَّى عند محمد بن الحسن رحمه الله تعالى فَرَفَعَ، فسأله عنه، فقال: تعظيمًا لله. وعن ابن عمر رضي الله عنه: إنه زينةُ الصلاة. وعلى هذا تكرُّره في الصلاة مُوجِبٌ لإحراز الثواب، وازدياد الزينة.

وفي «فتح القدير» من الجنائز، عن أبي يوسف رحمه الله تعالى: إنه للافتتاح لكونه هيئةَ الدخول في الصلاة، فلا يكون إلا مرةً. ومن ههنا تبيَّن أنه لا يُسْتَبْعَدُ أن يكونَ الاجتهادُ سَرَى في اختيار الرفع، فمن جعله تعظيمًا لله أو زينةً للصلاة أحبَّ تكثيره، ومن رآه للافتتاح قَصَرَه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015