ساجدًا ... الخ، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا جِئْتُم إلى الصلاة ونحن سجودٌ فاسجدوا ولا تَعُدُّوها شيئًا ... » الخ (?).
ثم ليمعن النظر أنه ما الفرق بين القُعُود عن القيام، وبين القُعُود للتشهُّد؟ فإن قلتُ: إنه بوضع اليدين على السُّرَّة في الأول، وعلى الفخذين في الثاني. قلتُ: هو مسألةٌ اجتهاديةٌ اختارها أبو حنيفة رحمه الله تعالى، ولا تصريحَ لها في الحديث مع أنه يترشَّح من بعض عبارات فقهائنا أنه لا فَرْق بينهما، وحينئذٍ يَلْتَبِسُ الأول والثاني، ولا يتميَّز أحدهما عن الآخر أصلا. وعلى هذا يُمْكِن أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في القَعْدَة للتشهُّد. وهم فَهِمُوا أنه في القَعْدَة بدل القيام، فَقَامُوا.
وأنت تعلم أنه لا سبيلَ حينئذٍ إلى علمه إلا بالتعليم، فأشار إليهم أن اجلسوا، ليَعْلَمُوا أنه في القَعْدَة للتشهُّد، لا لأن فرض القيام سَقَطَ عنهم بالاقتداء. ولا يُقَال يمكن أن يكون سقوطُ القيام عن ذمَّة المقتدي كسقوط فرض القراءة عندكم، لأنا نقول: كلا، فإن القراءةَ خلف القارىء مُنَازَعةٌ، والقيامَ خلف القائم مُوَافَقةٌ. والوجه: أن القراءةَ يتحمَّلها الإمام عن المقتدي، وتُحْتَسَبُ قراءتُه عن قراءتِه، بخلاف الأفعال من القيام والقعود وسائر الأذكار فإن الإمام لا يتحمَّلها عن المقتدي، وكلٌّ فيها أميرُ نفسه، فلا تتأدّى إلا بفعله ومن ههنا تبيَّن وجه التفصِّي عن إشارته بالقُعُود أيضًا (?).