وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] سَبِيلًا وَسُنَّةً. 9/ 1
لما أراد المصنفُ رحمه الله تعالى أن يعدد أجزاء الإيمان، ناسب له أن يُنبه أولًا على أهمِّ أجزائِهِ، فصدَّر الباب بقول النبي صلى الله عليه وسلّم هذا: لاشتماله على لفظِ البناء الدالِّ على تَرَكُّبِ الإيمان صراحة، واحتوائِهِ على أهم أجزاءِ الإيمان، ومن ههنا ظَهَر وجهُ تخصيصُ الخمسِ في الحديث، وإلا فالإسلام يُطلق على أحكام مشروعة غيرها أيضًا.
ثم ادّعى أنه (قول) وأراد منه القولَ الصادقَ، الموافقُ للباطن، فاندرج تحته التصديق أيضًا. و (فعل) وهو غير العمل، وفي لفظِ السَّلف: «عمل». ولا يُعلم ما وجهُ تغييرِ لفظِ السلف، مع أنّ الأظهرَ هو العمل، وقد وقع في بعض نُسخ البخاري لفظ: «العمل» مكان: «الفعل» وكأنه استقى دعواه بجزئَيه من قوله صلى الله عليه وسلّم «بُني الإسلام على خمس» لأنه صلى الله عليه وسلّم فصَّلَ في الخمسِ القول والعملَ.
فثبت: أن الإسلام والإيمان عنده واحد: (يزيد وينقص) وقد علمت أن لفظَ السلف: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. واختصره البخاري اختصارًا مُخِلًا، فإن الصِّلة فيه دالةٌ على السِّراية، ولا يظهرُ منها معنى الجُزئية، فيكونُ الاستشهاد من كلامهم في غير موضِعِه، إلا أن يقال: إنّ المصنف رحمه الله تعالى أخذَ الباء في قولهم للتصوير، وحينئذٍ معنى قولهم: يزيد بالطاعة، أنّ الإيمان يزيد، أنْ يطيعَ ربه، وهذا المعنى وإن كان لا يوجدُ عند النُّحاة، إلا أنه مستعمل فيما بين المصنفين.
أما الجوابُ الجلي عن الآيات المتلوة: فلأن التمسك بها في غير محله، لكونها في شأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإيمانُ جميعهم كان كاملًا، فلا معنى للزيادة والنقصان في نفس الإيمان في حقهم، فإن أراد الزيادة والنقصان باعتبار النور والانفساخ، فلا نُنْكِرُهُ أيضًا. وقد مر أن نورَ الإيمان أيضًا عنده، فصح تمسكُهُ بقوله: {لِيَزْدَادُواْ إِيمَانًا مَّعَ إِيمَنِهِمْ}. وليراجع له «الكشاف» فإنه جَعَلَ الظرفَ لغوًا ومستقرًا. والمعنى على الأول: أنهم كانوا على إيمان ثم زاد عليه إيمان، ولحق بإيمانهم السابق. وعلى الثاني: أنهم زادوا إيمانًا مع كونهم متلبسِّينَ بالإيمان من قبل.
ولما دلت الآية على زيادة الإيمان، أجاب من قِبَل الحنفية. وحاصل ما أجابه عن مثل تلك الآيات: أنّ الزيادةَ فيها راجعةٌ إلى المؤمن به (?) فإن القرآن كان ينزلُ في زمنه صلى الله عليه وسلّم نجمًا