وبالجملة إني متردِّدٌ في ثُبُوت استمرار تعدُّد الأذان، ثم في أنهما كانا في مسجدين أو في مسجدٍ واحدٍ، فإن كانا في مسجدين خَرَجَ عمَّا نحن فيه، ولا دليلَ عليه في قول عائشة رضي الله عنها: «لم يكن بين أذانيهما إلا قدر ما يَنْزِلُ هذا وَيَصْعَدُ هذا». وليس فيه إلا شِدَّة التقارُبِ بينهما، لا أنهما كانا في مسجدٍ واحدٍ، ومن العجائب ما في «الوفاء» من الاكتفاء بأذانٍ واحدٍ (?) لجميعِ أهل المدينة، وكان في المدينة يومئذٍ تسعُ مساجدَ، وكلُّهم كانوا يصلُّون على أذان بلال، وليس مذهبًا لأحدٍ، ثم إني أجدُ في أحاديثٍ عدمَ رِضَاء النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بأذانه قبل الفجر، وهذا حيث كان الأذانُ واحدًا، وهو كما أسلفناه عن الطَّحَاويِّ: «لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلال، فإن في بصره شيئًا»، وهذا يَدُلُّك ثانيًا على أن أذانَ بلال قبل الفجر لم يكن للتسحير كما فَهِمُوه، وإلا لَمَا احتاج إلى الاعتذار عنه: «بأن في بصره سوء»، بل كان للفجر، ثم كان يقدِّمه لسوء في بصره، فأَمر الناسَ أن يتحقَّقوا الفجر بأنفسهم. وكذلك ما مرَّ عن حَفْصَة رضي الله عنها، والأسود عند الطَّحَاوِيِّ: «أنه كان لا يُؤَذِّنُ حتى يُصْبِحَ»، وعند أبي داود: ولا تُؤَذِّنْ حتى يَسْتَبِيْنَ لك الفجرُ». قال أبو داود: وهو منقطعٌ.

قلتُ: وقد أخرجه الحافظُ ضياء الدين المقدسي في «مختاراته»، فلا بدَّ أن يكون قابلا للعمل، وهو عندي بإسنادٍ قوي أيضًا. والحاصل: أني متردِّدٌ في كون هذين الأذانين في مسجدٍ واحدٍ، وفي استمرارهما سائر السنة، والذي تَلَخَّصَ عندي: أن الأذانين حين كان ينادى بهما كانا للصلاة قطعًا لا للتسحير، نعم لم يكن الأول مانعًا عن التسحير بخلاف الثاني.

وعلى هذا ينبغي أن يُؤَوَّلَ ما رُوِيَ عن محمد (?): «أن الأذانَ الأولَ كان للتسحير»، بأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015