أَنَّ محمدًا لم يَتَعَرض إلى آخر وَقْتِ الظهر، وهو ظاهر «موطأه» حيث قال: وأمَّا أبو حنيفة رحمه الله تعالى فإِنَّه قال: لا يَدْخُل وقتُ العَصْرِ حتى يَصِيرَ الظِّلُّ مثليه، ولم يَذْكُر آخر وقتِ الظهر عنه. وفي «البدائع» أنَّ آخر وقْتِهِ لم يُذْكَر في ظاهر الرواية. وكذا ليس ذكرهِ في «السِّيَرَ الكبير» ولم أرَ «السِّيَرَ الصغير» فإِذا خَلَتْ هذه الكُتب الستة عن ذِكْر آخر الوقت عُلِمَ أَنَّه لم يجىء في ظاهرِ الرِّواية، ولعلَّهُم أَرَادوا منه معناه اللُّغوي أي الرِّواية الظاهرة المشهورة على الألسنة دون التي في مُصْطَلَحِهم، والرِّواية الثانية عنه كَمَذْهَبِ الجمهور، وَنَقَلَ السيد أحمد الدَّحْلاني الشافعي رحمه الله تعالى رجوعَ الإِمامِ إلى هذه الرِّواية عن خِزَانة المفتين، والفَتَاوَى الظهرية وهما من المُعْتَبَرات،، وأما خِزَانة الرِّوايات فغير معْتَبَرة عندي، وفي عامةِ كُتُبِنَا أنَّها عن حسن بنِ زياد عن أبي حنيفةَ وجعلها في «المَبْسُوط» السَرْخسي عن محمد وبها أَفْتَى صاحب «الدُّر المختار»، ورَدَّ عليه ابنُ عابدين بأنَّها خِلافُ ظاهرِ الرِّواية فلا يُفْتَى بها، والأَرْجَح عندي ما اخْتَارَهُ صاحبُ «الدُّر المختار»، والثالثة: أَنَّ وقَتَ الظُّهْرِ إلى المثل ولا يَدْخُل وقْتُ العَصْرِ إلا بعد المِثل الثالث، والمِثل الثاني مهملٌ، وهي رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى. والرابعة: كما في «عمدة القاري» وصححها الكَرْخِي أنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ إلى أقل مِنْ قامتين ولا يَدْخُل وقْتُ العَصْرِ حتى يَصِير قامتين.
وبه قال مالك رحمه الله تعالى: إلا أنَّه حَدَّدَ الوقتَ المُهْمَل بِقَدْرِ أَرْبَع رَكَعات، وَجَعَلَهُ (?) مشتركًا، ثُمَّ جاء المالكية فافْتَرَقُوا في تفصيلِهِ على فِرقتين: فقيل: إن القَدْرَ المُسْتَثْنَى في آخر المِثل، وقيل: بل مِنَ ابتداء المِثْل الثاني.
فإِذا حَقَّقْتَ الرِّوايات، فاعلم أَنَّ النَّاسَ جَعَلُوها روايات شتى، وهي تَنْحَط على مَحطَ واحدٍ، ومرجع الكُل عندي، أَنَّ المِثْل الأَوَّل وقتٌ مُخْتَصَرٌ بالظُّهْرِ، والمِثل الثالث بالعصر، والثاني يَصْلُح لهما، والمطلوبُ هو الفاصلةُ بينهما في العمل، فإِنْ عَجَّل الظُّهر فَصَلاها بعد الزَّوَال يُعَجِّل العصرَ ويصلِّيها على المِثل، وإِنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ فصلاها على المِثل يُصلي العصر أيضًا مؤخِّرًا إبقاءً للفاصِلَة بينهما، فلا يُؤَخِّر الظهر مع تَعْجِيلِ العصر، لأنَّه رُبما يُوجِب الجَمْع مَعَ أَنَّ المطلوبَ هو الفاصلة، نعم تلك الفَاصِلة قد تَرْتَفِع لأَجْلِ السَّفر والمرض، فللمُسَافر أَنْ يَجْمَع بين الظُّهر والعصر في المثل الثاني.
وكَذَلِكَ جَازَ للمستحاضَة أَنْ تَغْتَسِل ثُمَّ تَجْمَعَ بينهما في غُسلٍ واحد، ومِنْ ههنا اندفعت الشُّبْهة (?) العظيمة، أَنَّ خُروجَ الوقتِ أو دُخولَه