وأورد عليه ابن نُجيم أنه ينتفي منه الاستحباب أيضًا، مع أنها مستحبةٌ في المذهب.
قلت: وهذا غيرُ واردٍ عليه، لأنَّه ذهب إلى نَسْخِهِ وقال: إنَّ الطهارةَ كانت واجبةً للأذكارِ في زمنٍ، ثم نُسِخَت. وذكره في «باب ذِكْر الجُنب، والحائض، والذي ليس على وضوء، وقراءتهم القرآن» عن عبد الله بن علقمة بن الغَفْواء عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أهْرَاق الماءَ إنما نكلِّمُه فلا يكلِّمُنا، ونسلِّمه فلا يردُّ علينا، حتى نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]. انتهى وإذا نُسخ الوجوبُ فلا بأس بقول الاستحباب.
قلت: وفيه جابر الجُعْفي وهو ضعيف، وعلى الثاني يعني إذا كان لفظه: وهو يبول، تَحَوَّلَ إلى مسألة أخرى، وهي ما في حديث ابن عمر رضي الله عنه. والذي تبين لي أنَّ قصةَ أبي الجُهَيم، وقصة ابن عمر رضي الله عنه واحدةٌ، لما عند الدارقطني (?) «وكنز العمال» في قصة ابن عمر رضي الله عنه كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه، يعني أنَّ السلامَ كان حالَ البول. وما في حديث أبي الجُهَيم ففيه تقديم وتأخير في سرد القصة، فمجيئه من نحو بئر جَمَل كان بعد الفراغِ عن البول، وبعد سلامه عليه، يعني كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يَبُول فَلَقِيه ذلك الرجُلُ وسَلَّم عليه فلم يردَّ عليه، حتى إذا أقبل من نحو بئر جَمَل بعد البول تَيَمَّمَ وردَّ عليه السَّلام.
وأمَّا في حديث مهاجر فإنَّه قِصَّةٌ أخرى، وحينئذ تَحَصَّل أنهما قِصَّتان، غير أنَّ حديثَ مهاجر يتردد بين أَنْ يكونَ فيه مسألةُ اشتراط الطهارة للأذكار، أو عدم رَدّ السلام حالَ البول، على اختلاف لَفْظَيه عند ابن ماجه رحمه الله تعالى، وأبي داود كما عَلِمْتَ، والسلام فيهما حال البول، والجواب: بعد التيمم أو الوضوء مع التعرض إلى التعليل. ويُشْكِل فيه التيمم حال وُجْدَان الماء، وكراهة الذِّكْر بدون طهارة.
والحَل: أنَّ التيممَ للأشياء التي لا تحتاج إلى الطهارة صحيحٌ حال وُجْدَان الماء أيضًا عند صاحب «البحر»، وإن ردَّ عليه الشامي. والصواب عندي: ما اختاره ابن نُجيم صاحب «البحر».
وأما حَلُّ المسألة الثانية: فإن كان الأمر فيه أنَّ الوقائعَ كلها تُرَدُّ على مورد واحد وأن السلام فيها كان حال اشتغاله بالبول كما قررت، كان معنى قوله: «إلا أَني كَرِهت أن أذكرَ اللهَ إلا على طُهْر، أي الطُّهر من البول وعدم اشتغاله له، ويكون حاصل التعليل بقرينة وقت السلام: