قوله: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ} واعلم أنَّ الآية سيقت لأحكام الإتيان إلى الصَّلاة لا لأحكام المسجد كما فهمه الشافعية، ولا لأحكام الصلاة نفسها كما فهمه الحنفية. فاحتاج الشافعية إلى تقدير المضاف وقالوا: معناها لا تقربوا مواضع الصلاة، أي المساجد، إلا أن تكونوا عابري سبيل، أي مجتازين بها، فيجوز لكم المرور في حالة الجَنَابة اجتيازًا. ونشأ على مختار الحنفية سوء ترتيب، لأنهم أرادوا بالصلاة فعلَها، أي: لا تصلوا، فلم يرتبط به الاستثناء.
والوجه عندي أنَّه جعل الصلاة في تلك النظرة مأتية كأنها ليست من فعله بل هي منفصلة عنه يرد عليها ويصدر عنها وهي شاكلة الجماعة في المسجد، وعليه قوله تعالى: {إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]، وقوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 58]، وقوله تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54]، ففُرِضت الصلاة في هذه الآيات كأنها منفصلة عنه، وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا أقيمتِ الصلاةُ فلا تأتوها تَسْعَونَ» وحينئذ معناها أن لا تأتوا الصَّلاةَ في حال السُّكْر، ولا في حال الجنابة إلا أن تكونوا عابري سبيل إلى المسجد، فالعبور ليس في المسجد بل في الطريق إلى المسجد عند الإتيان إلى الصلاة (?).
قوله: (إلا عَابِري سَبِيل). وترجم عليه البخاري. وعدَّ العيني رحمه الله تعالى هناك نحوًا من عشرة أنفس كانوا يقعدون في بيوتهم معطلين، فدعت الحاجة إلى الاستثناء، وأن المرور والاجتياز جائز.
قوله: (وإنْ كُنتُم مُرْضَى) وإنما أعادها مع ذكرها في المائدة، لدفع تَوَهُّم نَسْخ ما في المائدة، فإنه لو اقتصر على قوله: {حَتَّى تَغْتَسِلُواْ} لتوهم نَسْخ تيمم الجُنْب المذكور في المائدة، وتعين إيجاب الغُسْل فقط، فأعادها ثانيًا وتقريرًا للتيمم، وهذا كالتكرار في آية الصيام حيث كرر قوله: {فَمَنْ كان منكم مَرِيضًا أو على سَفَرٍ فعِدَّةٌ من أيام أُخَر} [البقرة: 184]، واضطرب فيه المفسِّرون، وكتب كلٌ ما بدا له، وأنا أيضًا كنت فيه ما أراني ربي.