كما في «الجامع الصغير»، فأشكلتْ عليهم الآية. قلت: وفي «السِّيَر الكبير» أنَّه لا يدخل المسجد الحرام عندنا أيضًا، كما هو ظاهر النص، واختاره في «الدر المختار» لأن «السِّيَر» آخر تصانيف محمد رضي الله عنه.
بقي الكلام في الجملة الأُولى بعدُ، فأُجيب عنها أنَّ المرادَ من النجاسة نجاسةُ الشِّرْك دون نجاسة البدن، وهو كما ترى. فإن النجاسة وإن كانت نجاسة الشرك لكن الحكم أن لا يقربوا المسجد الحرام، والجواب حينئذ كما في «الكشاف» أن المراد من عدم القرب نهيهم عن الحج والعمرة فقط (?)، كما في الصحيحين وغيرهما: أن النبي صلى الله عليه وسلّم بعد نزولها بعث أبا بكرٍ أميرًا، وعليًّا رضي الله عنهما لينادي في الناس أن لا يَحُجَّ البيتَ عُريان ولا مشركٌ، فاستُفِيد منه أن الغرض من النهي هو منعهم عن الحج والعمرة، وفيه نظر بعدُ، لأنه يجري البحث في أنه هل يجوز ترك لفظ القرآن بعد ما انكشف الغرض أم لا؟ والذي يظهر أن ترك تعبير القرآن بحيث لا يبقى له حكمٌ وأَثَرٌ عسيرٌ جدًا، وإنما يتوسع بمثله في الأحاديث لفُشوِّ الرواية بالمعنى، وأما في القرآن فإنه مشكل، ولا سيما إذا كانت المناسبة بين الجملتين ظاهرة كما هو هنا.
فإنه حكم في القطعة الأولى بكونهم أنجاسًا، ثم فَرَّع عليه أن لا يقربوا، فهذان الحكمان يرتبطان جدًا لما ظهر أثر اللفظ في الحكم أيضًا، ولذا اخترتُ رواية «السِّيَر الكبير» بأن دخولهم في المسجد الحرام غير جائز، وأن النجاسة فيهم أزيد من نجاسة الشِّرك، أما دخولهم في سائر المساجد فالأمر فيه موسَّع، لأن الأصوليين قالوا: إن العموم إنما يكون في الآحاد لا في الأزمنة والأمكنة، وإن ذهب إليه جماعة أيضًا، إلا أن المختار عندي أن العموم في الأفراد والآحاد فَحَسْب، لأن الأحوال والأزمنة والأمكنة ليست موضوعًا لها ليشملها اللفظ.
وعلى هذا فالنجاسة عندي محمولة على ما هو المعروف لا على نجاسة الشِّرك، ومع هذا