لا مذاكرةً، وما يُسمع من الشيخ في سلسلة الكلام وإن لم يجلس للتحديث فهو مقاولةٌ، فإِن جلس للتحديث فهو مذاكرةٌ، فالتعهد في المذاكرة أزيدُ من المقاولة، فالمقاولة كمَجْلِس الوعظ.

قوله: (أَرَاني أَتَسَوَّكُ) ويُعْلم منه أنها قصةُ الرؤيا، ومن بعض الألفاظ أنها قصةُ اليقظة كما عند أبي داود. فذهب بعضهم إلى التعدد وجُمع بأنه رآه أولًا في الرؤيا، ثم وقع في اليقظة، كذلك وقد كان يرى أشياءَ في المنام ثم تقعُ له مَثْلُها في اليقظة.

قوله: (فقيل لي) وعلم منه أنه شيء فيه فضيلة حيثُ نزل فيه الوحيُ.

فائدة في معنى الرؤيا

واعلم أن ما يرَونه الأنبياءُ عليهم السلام من أشياءِ الغيب في اليقظة يُقال له: الرؤيا أيضًا، لأن الرؤيا التي يراها النائم في نومه لا يراها غيرُه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام يرون أشياء في اليقظة ولا يراها غيرُهم. وفي «الصحيح» لابن حِبان: أنا بِشارةُ عيسى، ورؤيا أمي، وكانت رأت نورًا من الشرق إلى الغرب عند ولادته، ثم أطلق عليه الرؤيا، وفي سفر الدانيال: أن يختم بعد سبعين أسبوعًا على الرؤيا، وعنى بها مشاهداتٍ الأنبياء عليهم السلام والنبوة، فما رأى النبي صلى الله عليه وسلّم كان رؤيا عين وإنما أطلق عليه الرؤيا لما قلنا. وسيجىء مزيد بحث في التفسير.

246 - قوله: (قال أبو عبد الله: اختصره نُعَيم) وفي «الميزان»: أن نُعَيمًا هذا كان يُزَوِّرُ حكايات في أبي حنيفة رحمه الله تعالى. لا يقال: إن البخاري إنما أخرجه في الاستشهاد دون الأصول، لأنا نقول: إنه أخرج عنه في الأصول أيضًا كما في باب فضل استقباله القبلة ... إلخ، وفي موضع آخر أيضًا، فينبغي أن يُؤوّل ما في «الميزان» ويقال: إن معنى التزوير عدمُ المبالاة لا أنه كان يزوّر بنفسه. ولا ريب في كونه مخالفًا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى، لأنه كان مُنْشئًا وكاتبًا للقاضي أبي مطيع البلخي تلميذ الإِمام فأسر بأمره لأمر ثم كان يرميه بالجَهْمية بعد.

ومن مثل هذه الأشياء قال البخاري: «محمد بن الحسن جَهْمي» مع أن محمد بن الحسن يَرُدُّ على الجهم، ويقول: إن الاستواء على العرش صحيح، مَن خالفه فهو جَهْمي، كما في «الفتح» وفي «المسايرة» لابن الهمام: أَنَّ أبا حنيفة ناظر جَهْمًا ثم قال في الآخِر: أخرج عني يا كافر. فالعجب أنهم كيف يَطْعَنوننا بالجهمية، والله المستعان (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015