ثم المسألة عند اختلاف الألفاظ ينبغي أن تُؤْخَذ بعد رعاية جميع الألفاظ، فَمَنْ نظر إلى لفظ النَّضْح والرشّ، فقد قطع نظره عمّا يجب عليه النظر إليه، وإنَّما اختلفت الألفاظ في بيان تطهيره، لأنه لم يكن فيه تأكيد، فاستخفَّ أمره، وعبَّر عنه تارةً بالنضح والرشّ، وأخرى بالصَّبِّ، فهذا مجرد تعبير وطريق بيان، لا مسألة منضبطة، وهكذا إذا يستخفُّ الأمر تَرِد فيه التعبيرات بكل نحو، ومن ههنا يُسْتَفاد الرخصة. ثم في «الدُّرِّ المختار» مسألةٌ سها فيها صاحبه وهي: أنَّ العَصْرَ إنما يُشْتَرط إذا غسل الثوب في الإِجَّانة، وإلاّ كفى له الصَّبُّ ولو لم يَعْصِرْه.

قلت: وهو سهوٌ بيِّن، فإِنَّ هذه المسألة كانت في النجاسة المرئية، فنقلها في غير المرئية أيضًا، كم في «الخلاصة»، والعجب من ابن عابدين حيث لم يتعقَّب عليه.

ثمَّ إن الطَّحَاوِي (?) أجاب من لفظ الرَّشِّ بوجهٍ آخر، وقال: إنما أراد بالنَّضْح صَبَّ الماء عليه، فقد تُسَمِّي العرب ذلك نَضْجًا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلّم «إني لأعرف مدينة يَنْضِحُ البحر بجانبها» فلم يَعْنِ بذلك النَّضْح الرَّش، ولكنه أراد يَلْزَقُ بجانبها. انتهى.

قلت: والنَّضْح في الأصل: إسالة الماء وقتًا فوقتًا، شيئًا فشيئًا، بخلاف الصَّبِّ: فإِنَّه إسالة الماء دفعة، ولذا يُقَال للإِبل الذي يُحْمَل عليه الماء للاستسقاء: النَّاضِح، لأنه يجيء بالماء وقتًا فوقتًا، وإن كان الماء عليه كثيرًا، فالإِنصاف أن النَّضْح في الثوب هو بمعنى الرَّش دون الصَّب وإن لم يكن في البحر، والنَّاضِح كذلك، وهذا لتفاوت مَقَام وَمَقام، فنَضْح البحر وإن كان أَزْيَد من الصَّب والإِسالة، لكن نَضْح الثوب لا يكون كذلك، بل يكون بمعنى الرَّش، لأن نَضْح كل شيء بحَبَسه، فقلة الماء وكَثْرَته في البحر ليس مأخوذًا في نفسه اللفظ، بل هو لأجل المقام. وأما النَّضْحُ لغةً فمعناه: رشُّ الماء شيئًا فشيئًا فقط، وإن كان نَضْح البحر صَبًّا، فاعلمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015