وقد تجشَّم الناسُ في الاستدلال على حُجِّية القياس. قلتُ: ولو احتجُّوا من هذه الآية، مع انضمام كلام ابن خلدون، لكفاهم عن مرامهم.
قوله: (ولَوْلا ما ذَكَرَ اللهُ مِنْ أَمْرِ هذَيْنِ، لَرَأْتُ أَنَّ القُضَاةَ هَلَكُوا) ... إلخ. يقولُ: إن اللَّهَ سبحانه لمَّا ذكر النبيين أنهما أخطآ في الحكم، عَلِمْتَ أن المخطيءَ المجتهدَ بمعزلٍ عن اللوم. ولولا قصتهما لَرَأَيْتُ أن القضاةَ هَلَكُوا لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] بقي الكلامُ في مسألةِ وحدة الحقِّ، وتعدُّده. فراجع له «عقد الجيد»، و «الإِنصاف»، الكِتَابَيْنِ للشاه ولي الله، فإنه قد أَتَى فيهما على جوانب المسألة. والجمهور إلى أنه واحدٌ ودائرٌ، وأصلُ النِّزَاع في أن هل في كلِّ حادثةٍ اجتهاديةٍ حكمٌ من الله تعالى، أو لا؟ فقال به بعضُهم، وقال بعضُهم: إن المجتهدَ مأمورٌ بابتغائه، فمنهم من أصابه، ومنهم من أخطأه. وقال آخرون: أن لا حكمَ فيه من الله، والمجتهدُ مأمورٌ باستخراج حكمه، فإذا اسْتَنْبَطَهُ، فَذَاكَ حكمُ الله فيه (?).
تنبيهٌ: وليعلم أن مسألةَ تعدُّد الحقِّ ووحدته مسألةٌ أخرى. أمَّا دورانُ المستفتي بين المذاه الأربعة، فذلك باطلٌ، لما مرَّ منِّي: أن التناقضَ في الدين مما لا نظيرَ له، والدورانُ يُوجِبُ ذلك، وإن لم يُشْعِرْ به. ومن ههنا عُلِمَ ضرورة التقليد الشخصيِّ، فإن تقليدَ الأئمة الأربعة في وقتٍ واحدٍ يُوجِبُ التزام التناقُض، كما قرَّرناه.
وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِى يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَأْكُلُ الْوَصِىُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ، وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
7163 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى السَّائِبُ بْنُ